مليار دولار «بادرة حسن نية»... و«مشروع مارشال» مرتبط بالحقبة السياسية الجديدة

«بصوت واحد» من مؤتمر باريس... لوقف حرب الآخرين على أرض لبنان

ميقاتي مُتحدّثاً أمام مؤتمر باريس أمس (رويترز)
ميقاتي مُتحدّثاً أمام مؤتمر باريس أمس (رويترز)
تصغير
تكبير

- ماكرون اتّهم نتنياهو بـ «البربرية» رداً على كلامه عن «الصراع بين الحضارة والوحشية»
- الرئيس الفرنسي يستذكر كلاماً لغسان تويني عن «استيراد حرب الآخرين على أرض لبنان»
- ميقاتي: لرئيس للجمهورية يلتزم بتطبيق الدستور والطائف لجهة ألا يكون السلاح إلّا بيد الدولة والجيش
- 800 مليون دولار دعماً إنسانياً و200 مليون دولار للجيش حجر الزاوية بعد الحرب
- إيحاءات أميركية بفقدان السيطرة على نتنياهو في طريقه إلى ضرب إيران

في الوقت الذي تنشدُّ الأنظارُ و«الأعصابُ» للضربة الإسرائيلية على إيران، باعتبار أنها إما تشعلُ «إعصارَ نارٍ» إقليمياً تتكرّس معه «وحدة الحرائق» بين ساحاتِ محور الممانعة بما في ذلك «رأسه» أي طهران، وإما تمهّد لبدء نزول جميع الأطراف عن «أعلى الشجرة» على سلّم «اليوم التالي» في لبنان وغزة بارتداداته الحُكْمية على نفوذ الجمهورية الإسلامية في المنطقة، شكّل «المؤتمر الدولي لدعم سكان لبنان وسيادته» الذي استضافتْه باريس أمس قطرةَ ضوءٍ في النفق المظلم الذي يوغل فيه الوطن الصغير منذ شهر ونيف مع الحربِ التي تشنّها إسرائيل عليه، جواً وبراً وبحراً ووضعتْه في عين عاصفةٍ هي الأعتى في تاريخه.

وشكّلت التعهداتُ بجمْع 800 مليون دولار من المساعدات الإنسانية و200 مليون دولار إضافية للجيش اللبناني التي قُدّمت خلال المؤتمر الذي شارك فيه نحو 70 وفداً حكومياً و15 منظمة دولية في باريس والتي فاقتْ السقف الذي أريد بلوغه وهو 500 مليون يورو (للمساعدات الإنسانية) إعلان «حسن نيات» دولي وعربي تجاه لبنان «غير المتروك» و«إشارةً برتقاليةً» إلى أن الخارج على أهبة الاستعداد لمساعدة «بلاد الأرز» بعد الحرب وإعادة الإعمار في حال ساعدت نفسها وأنْهت أن تكون ساحة «لحروب الآخَرين على أرضها»، وفق التعبير الذي استخدمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته الافتتاحية واستعاره من الدبلوماسي والسياسي والصحافي الراحل غسان تويني.

ورغم أن المؤتمرَ الذي تَمثلت فيه 5 دول بنواب رؤساء حكومة (بينها الأردن والعراق) و8 دول بوزراء خارجية (غير الأردن والعراق) وغالبية الدول الخليجية بنائب وزير خارجية أو وزراء دولة في الخارجية، أو مساعد وزير لشؤون المنظمات الدولية كما الكويت (عبر السفير عبدالعزيز سعود الجارالله)، أَحْدَث من البوابة الإنسانية ودعْم الجيشِ «ربْطَ نزاعٍ» إيجابياً مع مرحلة «اليوم التالي» لبنانياً التي يُعمل عبر عواصم القرار في العالم والإقليم على هندسة مرتكزاتها التي تتمحور حول تنفيذ القرار 1701 بحذافيره مع ملحق أمني وضمانات دولية بالتطبيق الكامل والشامل، فإنّ المجتمعين وفي حضّ غالبيتهم على وقف نار بأسرع وقت من دون تقديم طَرْحِ متكامل إنما عبّروا من جهةٍ عن أنّ «خريطةَ الطريق» السياسية - الأمنية باتتْ واضحةً حيال ما يتعيّن على لبنان الالتزام به، ناهيك عن أن بنيامين نتنياهو يُمْعن في توجيه إشاراتٍ إلى أنه ماضٍ حتى النهاية لتحقيق أهدافه مهما كان الثمن.

«مشروع مارشال»

وفي رأي أوساط مطلعة أن مؤتمر باريس ورغم تأكيده عبر تخصيص 200 مليون دولار للجيش اللبناني وإعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن مؤتمر خاص سيُعقد، على دور الجيش كشريكٍ أساسي في مرحلة ما بعد الحرب في الجنوب مع «اليونيفيل»، إلا أن أولويةَ «إدارة الأزمة الانسانية» التي تترتّب على «حرب لبنان الثالثة» - في ضوء النزوح المليوني ومَخاطر انفجارِ حركة هجرة غير شرعية إلى أوروبا – طغتْ عليه، بالتوازي مع رسالةٍ واقتناع سادا ضمناً بأن «مشروع مارشال» للبنان وإعادة إعماره لن يكون إلا في ضوء «بوليصة تأمين» تشي بأن حقبةً سياسية جديدة ستُفتح في «بلاد الأرز» وعبّرت عنها واشنطن عبر آموس هوكشتاين وخارجيتها تحت عنوان «طي النزاع بما يضمن أن يكون لمرة واحدة وأخيرة» وذلك في تكملة «دبلوماسية» أو «اختصار طريق الحرب» التي يخوضها نتنياهو على طريقة «الحرب الأخيرة» مع «حزب الله» وربما إيران.

أما الانكفاء عن الانخراط في تفاصيل الحلّ السياسي وقواعده، فبدا مرتبطاً بوضوح بتسليم غير مباشر بأنّ أي ضغوط على نتنياهو في الوقت الراهن لن تُجْدي، ناهيك عن التوتر الأعلى بين تل أبيب وباريس وتحديداً نتنياهو وماكرون والذي سبق المؤتمر وحضر فيه عبر كلمة الرئيس الفرنسي لا يضع فرنسا في موقع القادر على أن تكون «عرّابة» أي مسارٍ دبلوماسي أو قاطرة له مع واشنطن التي لم تفلح بدورها في تهدئة «التنين الهائج» الإسرائيلي سواء في اندفاعته المتوحشة المستمرة تجاه لبنان أو ضربته المرتقبة على إيران والتي يُعتقد أنه يقوم بـ reset لها بعد التسريبات التي تم التعاطي معها على أنها «مقصودة» للذخائر التي ستستخدمها تل أبيب في الردّ على إيران وتالياً كشْف بنك الأهداف ضمناً.

وفي حين كان وزير خارجية الأميركي أنتوني بلينكن يؤشر إلى «فقدان السيطرة» على نتنياهو بإعلانه من الدوحة «علينا التأكد من عدم قيام إسرائيل بحملة مستدامة في لبنان» بالتوازي مع تقارير عن أنه طلب خلال لقاءاته في إسرائيل عدم استهداف بيروت «بشكل يومي»، فإنّ الأوساط المطلعة توقفت عند تعمُّد ماكرون الردّ على رئيس الوزراء الإسرائيلي ضمناً في افتتاح المؤتمر حول لبنان، حين قال «لستُ متأكداً من أنه يمكن الدفاع عن حاضرة عبر زرع البربرية في الوقت نفسه».

وجاء كلامُ الرئيس الفرنسي غداة تصريحاتٍ لنتنياهو لوسائل إعلام فرنسية عشية المؤتمر، أعلن فيها أن الحرب التي يخوضها كناية عن «صراع بين الحضارة والوحشية وتمتد إلى ما هو أبعد من مكافحة الإرهاب» موضحاً «إننا في بداية النهاية للحرب في غزة، وقد أنزلنا ضرباتٍ قاسية على حركة حماس، لكن لم نصل إلى تحقيق الأهداف كافة بعد (...) لن أتوانى ولن أتنازل، سنواصل المعركة حتى تحقيق النصر المطلق»، ومشدداً على أن «إيران هي من تحتل لبنان وليست إسرائيل، نحن نحارب حزب الله وهدفنا تحرير لبنان من إيران والحزب».

وتوقفت الأوساط نفسها عند إشارات أساسية أعطاها ميقاتي في مواقف أدلى بها للصحافيين على هامش مشاركته في مؤتمر عدم لبنان، إذ أكد رداً على سؤال «أن الأولوية اليوم لوقف النار وتطبيق القرار 1701 وتعزيز وجود الجيش في الجنوب وبشكل خاص جنوب الليطاني، وتعزير دور اليونيفيل والتعاون معها.

كما يجب انتخاب رئيس للجمهورية في أي وقت متاح لذلك، وتشكيل حكومة جديدة من أجل القيام بالإصلاحات اللازمة. كما على رئيس الجمهورية الجديد الالتزام بتطبيق الدستور كاملاً، واتفاق الطائف وما نتج عنه من وثيقة الوفاق الوطني التي تنص بصراحة على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية وألا يكون السلاح إلا بيد الدولة اللبنانية والجيش. وبعد تشكيل الحكومة الجديدة يجب القيام بالإصلاحات الأساسية المطلوبة، مالياً ومصرفياً».

وعما إذا كانت هناك شروط تفرض على لبنان، أكد «مطلبنا الأساسي اليوم وقف إطلاق النار من دون شروط ولن نتحدث مع أحد في أي أمر آخر قبل وقف النار».

وبدا كلام ميقاتي صدى للمناخات التي أحاطت بالمؤتمر وكواليسه، علماً أن رئيس حكومة تصريف الأعمال كان التقى مطولاً أول من أمس، ماكرون الذي أعلن في كلمته الافتتاحية أمس، أن فرنسا ستدعم لبنان بمئة مليون يورو، مؤكداً «أن الحرب يجب أن تتوقف في أسرع وقت».

وأضاف «كما قال غسان تويني يجب ألا يتم استيراد حرب الآخرين على أرض لبنان ويجب أن يفهم الكل قيمة التنوع اللبناني (...) ولبنان مهم لنفسه ودائماً أكبر من نفسه لما يمثله حضارياً من العيش معاً لرجال ونساء من أصول وديانات مختلفة»، وموضحاً أن الهدف من المؤتمر «دعم سيادة لبنان» وبالتالي «إظهار أن الأسوأ ليس حتمياً وإفساح المجال أمام اللبنانيين لاستعادة التحكم بمصيرهم».

وإذ دعا إسرائيل «إلى وقف الحرب في لبنان»، شدد على «وقف الهجمات على إسرائيل أيضاً».

وقال «آسف أن إيران زجّت ب‍حزب الله في الحرب مع إسرائيل بينما مصلحة لبنان كانت تتطلب أن يبقى بمعزل من الحرب في غزة وأنا آسف أن إسرائيل تواصل عمليتها العسكرية في الجنوب والضاحية وبيروت وعلى إسرائيل أن تعلم أن الحرب لا تعني الانتصار».

وطالب بـ«احترام القرار 1701 وتطبيقه من كل الأطراف»، معتبراً أن «لدى الجيش اللبناني الآن مهمات أكثر من قبل وفرنسا ستساهم في تجهيزه».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي