بمناسبة عيد العرش اليهودي، اجتمع في يوم الاثنين الماضي بضع مئات من الإسرائيليين – معظمهم متدينين – في الصحراء الواقعة بين القرى الإسرائيلية والحدود الشرقية لقطاع غزة – في منطقة كانت محظورة على المدنيّين منذ بداية حرب غزّة – وشيّدوا مجموعة من الأكواخ الخشبية الموقّتة المغطّاة بأقمشة بيضاء، ومنصّة للخطابة، لإحياء ذكرى رحلة بني إسرائيل عبر الصحراء.
رغم قلّة عدد الحضور، إلا أن هذا التجمّع كان محط أنظار العديد من القنوات التلفزيونية والصحافة العالمية، لعدد من الأسباب، كان من بينها الغرض الأساس من تنظيم هذا التجمّع، وهو تشجيع بناء المستوطنات في قطاع غزة. وكان السبب الآخر، مشاركة عدد من الوزراء في التجمّع، وتحديداً عشرة وزراء بارزين، نصفهم من حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومعهم الوزيران اليمينيان المتطرفان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
اعتبر مراقبون هذا التجمّع مؤشّراً خطيراً عن قدرة نشطاء الاستيطان على توجيه حزب الليكود والحكومة الإسرائيلية. حيث إن تنظيم هذا التجمع يتناقض مع ما أعلنه نتنياهو في يناير الماضي، بأن حكومته لا تدعم خطط بناء المستوطنات على أنقاض قطاع غزة.
لذلك اعتبر مراقبون أن هذا التجمع بمثابة نقطة تحوّل في الموقف العلني للحكومة الإسرائيلية تجاه مبدأ الاستيطان في القطاع، بالرغم من أنهم يرجّحون أن الهدف من الموقف السابق للحكومة الإسرائيلية كان تجنّب الإضرار أكثر بسمّعة ومكانة إسرائيل في المجتمع الدولي، تحديداً في تلك المرحلة من الحرب. فإلى جانب الأصل الثابت – بموجب القانون الدولي – بعدم قانونية بناء المستوطنات، فإن الإعلان عن خطط بناء مستوطنات في القطاع بالتزامن مع القصف المفرط، على مناطق سكنية شاسعة بقنابل واسعة الدمار، سوف يعزّز الشكوك حول وجود أهداف خفيّة لدى إسرائيل لإعلانها الحرب على غزّة.
ومن جانب آخر، اعتبر هؤلاء المراقبون أن هذا التجمّع خطير لما صرّح به المسؤولون ضمن خطاباتهم بالتجمّع. فعلى سبيل المثال، أشاد الوزير بن غفير في كلمته بجهود ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزّة، وتعهّد الوزير سموتريتش بإعادة المستوطنات اليهودية في القطاع (المستوطنات التي انسحبت منها إسرائيل بموجب خطة فك الارتباط الإسرائيلية الأحادية في عام 2005)، وأكّد عضو الكنيست عن حزب الليكود أفيهاي بورون أن جميع أعضاء حزب الليكود يؤيّدون فكرة عودة المستوطنات في القطاع، وأن مهمتهم التالية كأعضاء في الكنيست هي إضفاء الشرعية على الفكرة من خلال تشريع القوانين اللازمة لتطبيقها.
وهنا تنكشف أكثر ضرورة التمسّك بمبدأ عودة إسرائيل إلى حدود 1967 في مفاوضات وقف إطلاق النار، وتسطع أكثر أهمية إحياء المطالبة بحل الدولتين من قبل الدول العربية والإسلامية.
إلى جانب خطابات المسؤولين المقلقة، تناقلت وسائل الإعلام عدداً من التصريحات الأشد في إثارة القلق. وكان من بينها ما جاء في الرد على تساؤل مراسل إحدى القنوات الفضائية المرموقة، عن سبب تجاهل الحضور دوي المدافع وسحب الدخان المتصاعدة من بلدة فلسطينية في القطاع، بعيدة عن مكان التجمّع. حيث كان الرد «على الفلسطينيين أن يتحمّلوا عقوبة جرائمهم الإرهابية التي اقترفوها بحق المدنيين في 7 أكتوبر»!؟
بوجود هكذا بيئة شعبية إسرائيلية حاضنة لجرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، بيئة متطرّفة لا تميّز بين المسلحين المقاتلين وبين المدنيين العزّل، علينا الاستعداد لجرائم إسرائيلية أشد فتكا بالمدنيين وأكثر خرقاً للقوانين الدولية، خلال الفترة المقبلة إلى يوم انتخاب الرئيس الأميركي، أو إلى يوم تنصيبه... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».