رؤية ورأي

فلسطين ولبنان ضحيتا الديمقراطية المخطوفة

تصغير
تكبير

حسب رأي مراقبين، السياسة الخارجية نادراً ما تكون ذات أهمية بالغة في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وموسم الانتخابات الحالي هو أحد هذه الحالات النادرة، الذي تضاعف فيه نشاط اللوبي الصهيوني في أميركا، بحيث أصبح التسابق في إظهار الدعم لإسرائيل، بغض النظر عن ممارسات إسرائيل، أحد ركائز الحملة الانتخابية لكل من المرشحين الرئاسيين الجمهوريين والديمقراطيين.

ويرى هؤلاء المراقبون أن العلاقة بين أميركا وإسرائيل قد اختلّت بشكل ملحوظ خلال الموسم الحالي، فلم تعد أميركا هي الشريك «المهيمن» في علاقتها مع إسرائيل. حيث فشلت مراراً الإدارة الأميركية في تمرير المقترحات المختلفة التي أعدّتها لوقف إطلاق النار في غزّة. كما أنها عجزت عن الحفاظ على أهم أهدافها المعلنة بشأن الحرب، وهو حصر الصراع داخل غزّة. حيث افتضُح عجزها بامتداد الحرب إلى لبنان، وبإعلان نشر الطاقم العسكري الأميركي مع نظام الدفاع الصاروخي ضد الصواريخ الباليستية (THAAD) في إسرائيل، بغرض صد الصواريخ الباليستية خارج وداخل الغلاف الجوّي في حال إطلاقها من إيران.

العديد من المقالات والتقارير في الصحافة العالمية أكّدت الاختلال في العلاقة الأميركية الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزّة، وتداولت شواهد على هذا الاختلال. ومن بين هذه المنشورات مقال نُشر قبل أسبوع في صحيفة الغارديان البريطانية (The Guardian) كتبه جوليان بورجر (Julian Borger)، مسؤول الشؤون العالمية في الصحيفة.

في هذا المقال، نُقل عن الدكتور دانا ألين (Dana Allin) – الزميل البارز في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IISS) – قوله إن عدم إمكانية المساس بإسرائيل في الساحة السياسية الأميركية قد تنامى كثيراً في السنوات الأخيرة، حيث نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تقليص النفوذ الأميركي على إسرائيل، من خلال حشد قوة المشاعر المؤيدة لإسرائيل (اللوبي الصهيوني) في أميركا ضد أي رئيس يحاول كبح جماحه، وفق قاعدة كل «تردّد» في توفير الأسلحة أو الدعم الدبلوماسي لإسرائيل سوف تكون تكلفته السياسية باهظة.

ومن باب المثال، أشار الدكتور ألين، إلى موقف نتنياهو من قرار الرئيس الأميركي جو بايدن، وقف تزويد إسرائيل قنابل سعة 2000 رطل، بعد أن استخدمتها إسرائيل لتدمير مناطق سكنية في غزة. فبالرغم من بشاعة جريمة استهداف المناطق السكنية بأسلحة دمار واسع، ورغم حاجة إسرائيل للفيتو الأميركي لمواجهة تبعات هذه الجرائم والخروقات والانتهاكات للقوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية، أعلن نتنياهو رفضه القرار. ثم استضيف بدعوة من الجمهوريين لإلقاء كلمة أمام الكونغرس، واجتمع مع مرشحهم للرئاسة دونالد ترامب.

الشاهد هو أن المنظومة الديمقراطية الأميركية – كأي منظومة مناظرة – معرّضة للاختطاف من قبل قوى لها نفوذ وسطوة مباشرة وغير مباشرة على القواعد الانتخابية، غالباً من خلال استغلال الثغرات في المنظومة – كتلك الناتجة عن القصور التشريعي والتقصير الرقابي – لتعزيز وممارسة نفوذها وسطوتها.

والعبرة هي أن الديمقراطية ليست صك عصمة للنوّاب من الخطايا والأخطاء السياسية. فالكونغرس الأميركي الذي استضاف نتنياهو لإلقاء كلمة، رغم إصراره على استمرار الحرب الجائرة في غزّة لمدّة تسعة شهور تقريباً آنذاك، والذي صفّق معظم أعضائه مراراً وطويلاً لما جاء في الكلمة، هذا الكونغرس انتُخب أعضاؤه من قبل الشعب الأميركي بانتخابات راقية من حيث معايير الحرّية والنزاهة والشفافية. ولكن رقي هذه المعايير لم يمنع هذا الكونغرس من التعدّي على القيم والمبادئ الدستورية الأميركية، بتلك الاستضافة وبالموافقات المتتالية على تسليح إسرائيل بقنابل ثقيلة تستخدمها في قصف مئات المدنيين مباشرة من أجل قتل أحد القياديين والمقاتلين أو نَفَر منهم.

والخلاصة هي أن لا حجيّة ولا قيمة للديمقراطية بوجود قوى وجماعات ضغط امتهنت الانعاش والإعدام السياسيّين، وفق معايير غير ديمقراطية، كجماعات الضغط الموجودة في أميركا والكويت...

اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي