حلقة نقاشية لـ«الثقافية النسائية» بحثت جوانب تقديم الدعم النفسي إليهم

بعد عام من العدوان... أطفال غزة في مواجهة معاناة نفسية لا تنتهي

تصغير
تكبير

- زينة الزبن: عائلات غزة وأطفالها يعانون من عدم الاستقرار الدائم
- ياسر أبوجامع: تشتت أهل غزة وتيّتم الأطفال يصيب المجتمع كله بالعجز عن تقديم الدعم النفسي

بعد مرور عام على الحرب الطاحنة التي يشنها جيش الاحتلال على غزة، يعيش الأطفال هناك معاناة نفسية لا تنتهي، حيث فقدوا أولياء أمورهم وأحباءهم ودُمرت منازلهم وتشتتت أسرهم، ونزح العديد من الأطفال أنفسهم مرات عدة، ليجدوا أنفسهم يعيشون نازحين ومشردين، وسط أصوات الرصاص والقصف والجثث، حزانى وجائعين ومبتوري الأطراف.

وسط هذا الواقع المأسوي الذي يحياه أطفال غزة، دعا عدد من المختصين النفسيين، في الحلقة النقاشية التي نظمتها الجمعية الثقافية النسائية، مساء أول من أمس في مقرها بمنطقة الخالدية، تحت عنوان «عام مضى... فماذا بعد؟»، إلى توفير الدعم النفسي لأطفال غزة، مع استمرار العدواني الإسرائيلي على أراضي القطاع.

وبيّن عدد من المشاركين في حلقة النقاش، أن «جميع الأطفال في قطاع غزة، تضرروا نفسياً، وجميعهم بحاجة إلى شكل من أشكال العلاج النفسي، بدءاً بالدعم النفسي وانتهاء بسقف التدخلات العلاجية التي قد يحتاج إليها ما لا يقل عن 10 في المئة من أطفال القطاع».

بداية، بينت المعالج النفسي للأطفال والعائلات، زينة الزبن، التحديات النفسية والصدمات العاطفية التي تواجه الأطفال في مثل هذه الحالات، مشيرة إلى أهمية عدم النظر في الواقع الحالي للطفل فقط، بل يجب التفكير في تاريخ الصدمات التي مرّت بها العائلات في القطاع، طوال السنوات السابقة، لاسيما أن الصدمات تتكرر ولها تداعيات ومضاعفات.

وأضافت الزبن: إلى جانب الضغوطات والصدمات التي يمر بها الطفل، فهو يمر كذلك بتداعيات التشرد والوجوع وفقدان الأهل والبيوت، وقالت استناداً إلى «نظرية ماسلو» للاحتياجات، إن «أول احتياجات الإنسان هي الاحتياجات الفسيولوجية التي تتضمن البيت أو الملجأ والأكل والملبس، ثم الأمن والسلامة».

نظرية ماسلو

وقالت: «عندما نمر بصدمات عنيفة، مثل صدمة الحرب، هناك عدم استقرار دائم ومزمن، حيث إنني لا أعلم ما سيحدث بعد دقيقة أو بعد يوم».

وأضافت أن عدم الأمان من أهم العوامل التي تؤثر على الجانب النفسي للطفل، وفقدان الأهل هو فقدان رمزية الأمان للطفل، وتُظهر نظرية ماسلو 9 احتياجات عاطفية ونفسية للإنسان، أولها الأمن يليها الإرادة والانتباه الشخصي والتفاعل والتواصل والارتباط الاجتماعي، وهذه الأمور يتم اللجوء إليها عند البدء في كيفية مساعدة الطفل والوفاء باحتياجاته في الملاجئ، خصوصاً الأيتام.

وتابعت: الخصوصية غائبة كما ترون، ففي ظل التشرد لا يعرف الطفل أين ينام، والشعور بالذات وبالإنجاز والهدف والمعنى، كلها معدومة، فلا تعليم ولا حياة طبيعية يحياها الفرد هناك، ما بالك بالأطفال؟

الأعراض الشائعة

من جهته، تطرق المدير العام لبرنامج «غزة للصحة النفسية»، الدكتور ياسر أبو جامع، إلى الأعراض الأكثر شيوعاً بين أطفال القطاع في واقعهم التدميري الحالي، وقال: «طفل غزة الذي عمره 14 عاماً، مثلاً، مرّ بـ4 حروب ليست بسيطة، عانى منها جميع سكان القطاع، وحين نحاول كأفراد أن نتذكر الحدث الذي يمكن تذكره من طفولتنا، غالباً ما يكون حدثاً ساراً أو صادماً، وهؤلاء المراهقون عايشوا 4 عدوانات، ما يعني أن الواحد منهم عاش منذ الـ5 من عمره في ظلال العدوان، في الأعوام 2021 و2022 و2023 وحتى الآن.

وأضاف أبوجامع أن استمرار هذه الحرب على القطاع وأهله لمدة تجاوزت العام، يعني أن الكثير من الأعراض النفسية التي كنا نراها فقط بعد فترة من الزمن بعد انتهاء العدوان، لكننا بتنا نراها الآن أثناء العدوان، بسبب استمراريته.

وأشار إلى «فرق بين الأعراض التي تظهر بشكل سريع، وهي الأعراض الحادة عندما تكون الأحداث صادمة، على سبيل المثال الأطفال في سن 6 سنوات يعود لإشكالية التبول اللاإرادي، والمراهقين يكابدون مشاكل النوم والقلق والشعور بالرعب، أما الأطفال في سن 4 سنوات فالالتصاق بالأهل، ومعظم هؤلاء بلا أهل يلتصقون بهم.

وأشار إلى ظهور آلام في البطن والظهر، بعد فترة من الزمن، وبعد أشهر نبدأ بالحديث عن الاضطرابات النفسية والتداعيات اللاحقة للعدوان، مثل التغيرات السلوكية التي تحدث للأطفال في قدراتهم المعرفية والتركيز وأدائهم الدراسي.

عدوان متواصل

ولفت أبو جامع إلى الأعراض التي ظهرت على الأطفال في غزة بعد عام من عدوان الاحتلال المتواصل، وقال إن بعض هذه الأعراض، يتمثل في التغيرات السلوكية إلى الأسوأ، بناء على شكاوى من الكثير من الآباء والأمهات، الأمر الذي يمس النسيج الاجتماعي.

وأشار إلى منظومة الدعم الاجتماعي، وأهمية ومركز الأم والأب عند الأطفال، وقال «ما يشهده الطفل الفلسطيني هو عدم قدرة الأب على القيام بدوره الأساسي، وهو توفير الحماية اللازمة للأطفال، فالأب مركز القوة الأساسي في الأسرة، فهو الحامي والمساند».

وذكر أنه «مع نزوح نحو 90 في المائة من سكان القطاع، وتشتت الأسر في أماكن مختلفة، وفقدان وتيتم العديد من الأطفال، فإن ذلك يؤدي إلى عدم قدرة المجتمع بشكله العام أو الخاص، على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وقد يتحدث البعض أن ما يقوم به الأطفال من تصرفات سلوكية غير حميدة هو عبارة عن شكل من أشكال الرفض لعدم وجود الحماية أو الغذاء».

محمد جمال: الرعاية الطبية مفقودة وصعوبة في إدخال المساعدات

حكى استشاري جراحة والبروفيسور المشارك في كلية الطب بجامعة الكويت، الدكتور محمد جمال، عن تجربته عند ذهابه إلى القطاع ضمن الفريق الطبي الكويتي، وقال: «كنا من أوائل الفرق العربية التي توجهت إلى غزة، وما يحصل هناك ليس سوى أكبر إبادة جماعية موثقة عبر التاريخ».

وروى أحد المشاهد التي مرت به في غزة، وقال: «انتهينا من العمليات في أول يوم، وقالوا هناك حفلة للأطفال في ساحة كبيرة تجمع نحو 600 طفل مع مهرج لإسعادهم، وهنا كانت الصدمة أن هؤلاء أطفال كحال أطفالنا. إنهم يريدون العيش».

ولفت إلى أن الوضع الآن أسوأ من الناحية الطبية، فالمستشفى الأوروبي لا يعمل، وهناك حصار مشدد في شمال غزة، وجباليا يتم تجويعها بشكل مقصود، والمجازر تتكرر يومياً، كما تم إخلاء مستشفى كمال عدوان ومستشفيات كثيرة أخرى في شمال غزة، بأوامر الاحتلال، وبالتالي لا توجد رعاية طبية إلى جانب الصعوبة الكبيرة في إدخال المساعدات.

طارق امطيرة: البنية التحتية للتعليم منهارة

ذكر المدير العام مؤسسة تعاون، الدكتور طارق امطيرة، أن البنية التحتية التعليمية في غزة منهارة، والإحصائيات تشير إلى 650 ألف طالب وطالبة حرموا من العملية التعليمية وضاعت عنهم سنة دراسية كاملة.

وأشار إلى أن 3 محاور لإعادة واستعادة حق التعليم والتعلم، مبيناً أن الحلول تكمن في توسيع التعليم المجتمعي، المبني على الطرق التقليدية القديمة، كحلقات التعليم في مراكز الإيواء المتنقلة، وهذا يتطلب بناء قدرات مجموعة كبيرة من المعلمين الذين فقدوا دخلهم حالياً.

ولفت إلى أن لدى «الأونزوا» نحو 350 ألفاً من هؤلاء الطلاب، وتحاول استعادة العملية التعليمية بطرق مختلفة وآمنة، مشيراً إلى أن معاناة أطفال غزة، والبعد النفسي والاجتماعي غير طبيعي، فجيل كامل فقد الشعور بالأمن وأي عملية تعليم يجب أن يصاحبها إعادة تنقيح المناهج التعليمية في غزة لتتجاوب مع الحالة النفسية.

نوال حسين تنقل تجربتها في إغاثة اللاجئين بلبنان

استعرضت الناشطة في مجال حقوق الإنسان والمشاريع الإنسانية، نوال ملا حسين، تجربتها في مبادرة إغاثة اللاجئين في لبنان، وقالت «بعد حرب 2006 في لبنان، أنشأنا مجموعة صغيرة لإقامة أنشطة لمساعدة النازحين، وهو الحال ذاته اليوم، في نزوح الناس من جنوب بيروت».

وأضافت حسين: «بعد انتهاء المبادرة، زرنا مخميات اللاجئين الفلسطينيين، ومع تزايد أعداد الراغبين في إيصال المساعدات قررت أن يكون الموضوع رسمياً، فأسست جمعية في لبنان اسمها (الفجر) عام 2008، وأصبحنا نتولى الكثير من الواجبات، مثل كفالة الايتام، وكان هناك 60 يتيماً تحصلنا على كفلاء لهم من الكويت.

وتابعت: «التعليم أيضاً كان أمراً مهماً، وعندما دخلت معظم بيوت المخيمات، كنت أرى أنه إذا لم تعط الإنسان القدرة على العمل لإعالة نفسه سيكون (الكاش) الذي تعطيه إياه «ضايع ضايع» بأمور يومية، ولذلك قدمنا الدعم لاستكمال الطلبة المتفوقين دراستهم الجامعية، واستطعنا خلال 12 سنة تخريج 60 طالباً استفادوا من دعم الجمعية الكامل.

نور القطان: عدم التنسيق أكبر عوائق توزيع المساعدات

قالت مسؤولة الشؤون الإنسانية بمكتب الأمم المتحدة في الكويت، نور القطان، إن الأمم المتحدة تشارك في تنظيم المجموعات التي تتولى تقديم الدعم للمحتاجين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والشركاء المحليين، والدعم يكون لقطاعات محددة مثل الصحة والتعليم والحماية.

وذكرت القطان أن كل مجموعة تقودها منظمة معينة، بناء على اختصاصها، مثل قطاع الصحة التابع لمنظمة الصحة العالمية، كما أن «الأونروا» عضو في نظام المجموعات وهي المنظمة الأساسية للاستجابة الإنسانية في غزة، مبينة أن كل فلسطيني في غزة حصل على شكل من أشكال المساعدة أو الحماية من «الأنروا» في العقود السابقة.

وعما إذا كان التنسيق عائقاً، بينت القطان أن «هناك بعض العراقيل، لكن أكبر عائق هو عدم التنسيق، لأن من غيره لا نضمن العدالة في توزيع المساعدات».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي