سافر إلى ذاتك

«السكتة النفسية»

تصغير
تكبير

قصة سارة والسكتة النفسية

سارة، امرأة في الثلاثينات من عمرها، تعمل في شركة كبيرة، حيث تتولى مسؤوليات لا تنتهي. إلى جانب عملها، تعتني بعائلتها الصغيرة، وتحرص على أن يكون كل شيء في حياتها مثالياً. على مدار السنوات، كانت سارة تمضي أيامها في سباق دائم مع الزمن. تحرص على أن تكون موظفة متميزة، أماً مثالية، وزوجة داعمة. مع مرور الوقت، بدأت سارة تشعر بثقل لا يزول. في البداية كان مجرد تعب، لكنه أصبح تدريجياً شعوراً بالفراغ العاطفي. في يومٍ ما، وأثناء جلوسها مع أسرتها على مائدة العشاء، شعرت فجأة بأنها لا تستطيع التواصل مع ما يحدث حولها. ضحكات أطفالها وأحاديث زوجها بدت وكأنها أصوات بعيدة، وكأنها تشاهد حياتها من خلف زجاج، عاجزة عن التفاعل أو الشعور بأي شيء.

توقفت عن العمل لبضعة أيام، اعتقدت أنها بحاجة إلى الراحة فقط. لكن الفراغ الداخلي ظل موجوداً، وأصبح السؤال الأكبر: «ما الذي حدث لي»؟

مفهوم السكتة النفسية

«السكتة النفسية» هي حالة من الانفصال العاطفي والذهني، يشعر فيها الإنسان وكأنما توقف الاتصال بين مشاعره وواقعه الخارجي. في هذه الحالة، قد يجد الفرد نفسه غير قادر على التفاعل مع ما يحدث حوله، حتى وإن كانت أحداثاً اعتاد على الاستجابة لها عاطفياً.

مثلما تتوقف الأجهزة التقنية عن العمل عندما تتعرّض لضغط زائد، يتعرض العقل والنفس لهذه السكتة كرد فعل طبيعي على الكم الهائل من التوتر والضغوط التي تواجهها.

السكتة النفسية هي نوع من آليات الدفاع النفسية التي تتيح للعقل «إعادة التشغيل» بعد تجاوز حدوده في التعامل مع العواطف والمشاعر.

أسباب السكتة النفسية

هناك أسباب عدة قد تؤدي إلى حدوث السكتة النفسية، منها:

1. الاحتراق النفسي: عندما يستمر الفرد في العمل بلا راحة أو استراحة حقيقية، يتعرض العقل والنفس للإرهاق، وقد يصل الشخص إلى حالة من الجمود العاطفي. مثل سارة التي كانت تسعى إلى المثالية في كل جوانب حياتها، ما جعلها تعيش تحت ضغط مستمر دون إعطاء نفسها وقتاً للتعافي.

2. التراكم العاطفي: تراكم المشاعر السلبية دون تفريغها بشكل صحيح يمكن أن يؤدي إلى انغلاق النفس على نفسها. المشاعر المكبوتة التي لم تُعبّر عنها، مثل الحزن أو الغضب، تتحول مع الوقت إلى جدار يفصل الشخص عن واقعه العاطفي.

3. الصدمات النفسية: بعد التعرض لأحداث صادمة، قد يلجأ العقل إلى «تجميد» المشاعر كوسيلة للحماية من الألم. هذا التجميد هو ما نسميه السكتة النفسية، حيث يعلق الشخص في حالة من الخدر العاطفي.

تفسير حالة سارة

بالنظر إلى قصة سارة، يمكننا الآن فهم أنها تعرّضت لسكتة نفسية. حياة سارة كانت مليئة بالضغوطات، من العمل إلى مسؤوليات الأسرة، دون أن تعطي نفسها فرصة للتوقف والتفكير أو حتى الاستراحة. كانت تسعى إلى أن تكون كل شيء للجميع، لكنها أهملت أهم شخص في حياتها: نفسها. عندما جلست سارة مع أسرتها في تلك الليلة وشعرت بالعجز عن التفاعل معهم، لم يكن ذلك بسبب تعب جسدي فقط، بل كان عقلها ونفسها يطلقان إشارة استغاثة. كانت تلك اللحظة هي السكتة النفسية، حيث أصبحت غير قادرة على الشعور بالحب أو الفرح الذي كانت تعتاد عليه. ليس لأنها لم تعد تحب عائلتها، بل لأن نفسيتها كانت منهكة وتحتاج إلى استراحة.

كيف تتعامل مع السكتة النفسية؟

من خلال تجربتها، أدركت سارة أهمية التوقف والتفكير في نفسها. العودة إلى الذات تبدأ من الاعتراف بأن النفس بحاجة إلى وقت للتعافي. هناك طرق عدة يمكن من خلالها التعامل مع السكتة النفسية، منها:

1. الراحة النفسية والجسدية: مثلما يحتاج الجسد إلى راحة بعد الإجهاد البدني، تحتاج النفس إلى فترة من الاسترخاء والتأمل للتعافي من الضغط العاطفي.

2. التعبير عن المشاعر: التعبير عن المشاعر بدلاً من كبتها، سواءً من خلال الحديث مع شخص مقرب أو عن طريق الكتابة، يساعد في تفريغ التوتر العاطفي.

3. الاستعانة بمختص: في بعض الأحيان، قد تكون السكتة النفسية إشارة إلى الحاجة للاستعانة بمعالج نفسي للمساعدة في فهم المشاعر والضغوطات ومعالجتها بطرق علمية.

4. التوازن بين العمل والحياة: التوقف عن محاولة المثالية في كل شيء هو خطوة مهمة للحفاظ على الصحة النفسية. من المهم إعطاء النفس حقها في الراحة والتمتع بالحياة دون ضغط مستمر.

خاتمة

السكتة النفسية ليست مرضاً بقدر ما هي إشارة من العقل والنفس إلى أنهما قد وصلا إلى حدهما الأقصى. قصة سارة تعكس حياة الكثيرين منا في هذا العالم السريع، حيث نسعى إلى تحقيق كل شيء، لكننا في النهاية نفقد الاتصال بأهم جزء من حياتنا: ذاتنا.

من خلال الفهم العميق للسكتة النفسية واتخاذ الخطوات اللازمة للتعامل معها، يمكننا إعادة التوازن إلى حياتنا واستعادة التواصل مع أنفسنا ومع من حولنا.

تحياتي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي