وظّف الروائي الروسي الأشهر ليف تولستوي، في روايته «الحرب والسلم» شخصيات الرواية بتجسيد جميل جداً يعكس واقعية الشخصيات البشرية وتفاعلها مع الحياة وتأثرها بها، والتغير الذي نتج عن احتكاك هذه الشخصيات ببعضها، وبالظروف المحيطة، وصنّفها بشكل جميل بين أصحاب المبادئ والقيم، والمعتقدات العقلانية، واضعاً تلك الشخصيات بما تحمله من قيم ومبادئ وأفكار وثروات في مصنع الحياة الذي يعيد تدويرهم ليخرُج كل واحدٍ منهم إما كما دخل، أو اسوأ من ذلك، أو أفضل.
في رواية «الحرب والسلم»، كان بطل الرواية يحمل اسم بطرس، وكما يبدو للقارئ لشخصيته في بداية الرواية أنه متهورٌ أرعن، ساذجٌ لا رأيَ له، وعاطفي لا يملك القرار...!
ورث مبلغاً ضخماً فقرّر أن يكون به إنساناً أفضل تكفيراً عن ماضيه الذي ضاع خلف شهواته ورغباته، وأراد أن يخدم البشرية ويسعى لإصلاح المجتمع، ورغم محاولات فاشلة عدة والتي كانت إحداها انضمامه للجيش الروسي في الحرب ضد فرنسا وقد كان وجوده فيها كعدمه، أدرك أنه لا فائدة ترجى منه في الحرب...
لم يهرب بطرس من روسيا كما فعل الكثير من أبناء طبقته من النبلاء، وعند انتهاء الحرب والظروف الصعبة التي عاشها المجتمع الروسي ككل، خرج بطرس سالماً بقيمه ومبادئه، فكان الشخص النبيل بأخلاقه الغني بأمواله، لأنه ببساطة كان يريد أن يكون شخصاً أفضل، وعمِل على ذلك بطرق شتى إلى أن وصل لما يريد.
كل فرد في الحياة تُغيّر الحرب فيه ما تُغيّر، وتضيفُ عليه ما كان مُستعدّاً أن يضاف له، فقد تكون الظروف واحدة، ولكن تعاطينا معها يختلف بين متفكر ومتأمل للخروج بنتيجةٍ ما والاستفادة منها، وبين من تمرُّ عليه وما أضافت له سوى علامات التقدم في السن والذكريات!
وكلنا نمر بظروف لا محالة... لكن استفادتنا تختلف باختلاف المبادئ والقيم والمعتقدات.
أعتقد أن التغيّر الأهم والأخطر الذي يتعرّض له الإنسان هو تغيّر القيم والمبادئ الذي ينتج عنه بالضرورة تغيّرٌ في السلوك، لأن تصرفات الإنسان ناتجة عن إيمانه بشيء ما، والأمور المعنوية كعمق الإيمان ووجوده لا يمكن قياسها داخل أي إنسان، بينما العقل قادرٌ على قياس الأمور الحسية والتعامل معها كمعرفة دون الإيمان بها، وغالباً ما يكون تعامله معها بـ «إما أفعل، أو لا أفعل»...
وهي نزاعات بشرية وتساؤلات داخلية وخواطر فكرية تمرُّنا بشكل يومي وتختلف باختلاف الأحداث، فنظن كل يوم بأنها الصورة النهائية لنتاج الفكر والمبادئ والقيم، لكن يأتي الحدث ليغيّر منها أو منّا ما يستطيع تغييره أو ما كنا نحن مستعدين لتغييره، وأعتقد شخصياً أن صاحب المبادئ والقيم هو الذي يغنم في النهاية ويخرج بالصورة الأجمل والأقرب إلى الكمال.