بعد هجمة المقذوفات الجوية الإيرانية الأولى على إسرائيل، في أبريل الماضي ردّاً على قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، وأثناء تداول أبعاد الهجمة في إحدى الديوانيّات العامرة، دخل الديوانية سفير كويتي متقاعد معروف. وبعد الترحيب به من قِبل صاحب الديوانية والحضور، سألته بشأن رأيه في الهجمة. فأجاب كعادته بتعقيب رصين، محوره وجوب أن يكون منظورنا وطنيّاً عند تداول هذه الهجمة، والأحداث المماثلة لها، وإن اختلفنا في تحليلها وفي تصنيف أطرافها.
وأضاف أن القدر الذي كان مؤكّداً قبل الهجمة، الذي أُكّد أكثر بعد الهجمة، هو أن إيران تمتلك تكنولوجيات وقُدرات صاروخية متطوّرة، أعلنت دول غربية مراراً قلقها تجاهها، ولكن ضفّة إسرائيل والدول الداعمة لها مُتفوّقة تقنيّاً وعسكرياً على ضفّة إيران وحلفائها. لذلك في حال نشوب حرب مباشرة بين الضفتين – لا سمح الله – قد تلجأ إيران إلى ضرب القواعد العسكرية المعادية المجاورة لها. وبالتالي ينبغي أن نستعد نحن من الآن للتعاطي مع هذا السيناريو الخطير، من خلال محاور عدّة، من بين أهمّها اللُّحمة الوطنية.
وحيث إنني أرى – كما أشرت في مقالات سابقة – أن أُسُّ الاختلاف والتناقض والتشدّد في تصوّراتنا وتشخيصنا للأحداث المحلّية والإقليمية، ناتج عن ظاهرة التطرّف الإعلامي، التي تدفعنا إلى متابعة وتصديق كل ما ينشر عبر قنوات إخبارية تنتمي إلى محور إعلامي معيّن، وتسقيط وتكذيب المصادر الإخبارية المضادة، ومقاطعة الأخريات.
لذلك، واستجابة لدعوة سعادة السفير المتّسقة مع قناعتي الشخصية بأهمية تحصين النسيج الوطني من المساعي المتتالية للإضرار به وهتكه، خصوصاً مع تصاعد حدّة التوتّر في المنطقة، أدعو نفسي وغيري إلى الاطلاع على القراءات والتصورات المقابلة لقراءاتنا وتصوراتنا بشأن الأحداث الإقليمية المنقضية والجارية، وفي مُقدّمتها الصراع المسلّح في سورية الذي انفجر في 2011. ليس من أجل قبولها أو دحضها، بل فقط لندرك أن منشأ اختلافنا هو أن قراءات وتصورات أصحاب الرأي المختلف منبثقة ومصاغة من قبل المحور الإعلامي الذي يتابعونه ويثقون به، تماماً كما هي قراءاتنا وتصوراتنا. لذلك لا يجوز أن يكون هذا الاختلاف مُبرّراً لتمزيق النسيج الوطني.
كما أدعو بشدّة إلى الاطلاع على التقارير الاستقصائية والتحقيقات الصحافية الموضوعية، المعتبرة كلّيّاً أو جزئيّاً، أينما نشرت، لكي نستخلص منها الحقائق الموثّقة، في شأن أحداث جارية فائقة الأولوية، كالعمليات الحربية التي تنفّذها إسرائيل حالياً. ومن بين هذه التقارير، التحقيق المعنون «هل قامت إسرائيل بما يكفي لوقف التحريض على الإبادة الجماعية؟»، الذي أجرته شبكة «بي بي سي» ونشرته في موقعها العربي على شبكة الإنترنت في 27 أغسطس الماضي.
يستعرض هذا التحقيق عددً من تصريحات مسؤولين وسياسيين ورجال دين إسرائيليين، الداعية إلى تبنّي عقيدة دينية مقترنة بحرب «الميتزفاه»، الداعية إلى«ألا تدع نفساً على قيد الحياة. اليوم طفلٌ، وغداً سيكون صبياً، ومحارباً».
المضامين المحرجة لإسرائيل في هذا التحقيق ذات مصداقية عالية لسببين. الأول لكون التحقيق مُعداً من قِبل شبكة إخبارية غير معادية لإسرائيل، والثاني لأن المضامين المحرجة إما واردة أو متوافقة مع الأدلة المعتبرة التي قدمتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، وبموجبها أمرت المحكمة – في يناير الماضي – إسرائيل باتخاذ اللازم لمنع التصريحات التحريضية الداعية إلى الإبادة الجماعية ضد سُكّان غزّة.
لذلك، من غير المعقول أن نستمر في التراشق الإعلامي الاستفزازي بشأن طبيعة وحيثيات الصراع المسلّح المنتهي في سورية، بين من اعتبره ثورة شعبية وبين من اعتبره مؤامرة ضد محور المقاومة، كل حسب المحور الإعلامي الذي يثق به، وننشغل بهذا التراشق عن مواجهة خطر مُتفاقم مُداهم، معروف أبعاده وأطرافه، كجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل حالياً.
في الحد الأدنى، علينا التسامي على خلافاتنا بشأن أحداث إقليمية سالفة، لتعزيز وحدة وطنية مستهدفة، في مواجهة جرائم إبادة جماعية جارية، وحرب بين إسرائيل وإيران محتملة... اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.
abdnakhi@yahoo.com