حروف نيرة

السخرية حالة نفسية

تصغير
تكبير

السخرية والاستهزاء واحتقار الآخرين مرض اجتماعي انتشر في كثير من المجالس، وهو معصية عظيمة نهى الله تعالى عنها، قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(الحجرات/11).

الاستهزاء بالناس واستصغارهم خُلق مذموم، وفيه ظلم للنفس؛ فإنه يحبط عمل المستهزئ وينقص حسناته في الآخرة، ولا يدري الساخر لعل الشخص الذي يسخر منه هو أعظم مكانة عند الله تعالى.

وقد ورد النهي عن السخرية والشماتة، وقد قيل : (لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك)، فلا يسخر ويشمت الإنسان في أحد؛ فربما يرتفع عنهم ما شمتهم به ويحل في الشامت، وفي ذلك يقول العلّامة ابن القيم: (من عاب أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله، فإياك والشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك).

نسمع مواقف وقصصاً وحكايات واقعية تتفق مع تلك النصوص والأقوال، يتكلم أحد الشباب عن إهماله لأسرته، وكثرة انشغاله مع صحبته في الجلسات والسهرات المليئة بالكلام الفارغ، بل بالغيبة والتعليقات المحرمة، يقول إنه هو الذي يتولى في الغالب إضحاكهم بالسخرية من الناس ومواقف تزيد الضحك مهما كان فيها من أذى وإزعاج وعدم احترام للناس، وفي ليلة لا تُنسى سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق، والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول، وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق... عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة، وجدت زوجتي في انتظاري، كانت في حال يرثى لها كان الإعياء ظاهراً عليها، قالت والعَبرة تخنقها: أنا متعبة، يبدو أن موعد ولادتي صار وشيكاً، حملتها إلى المستشفى بسرعة... دخلتْ غرفة الولادة، وكنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر، تعسّرت ولادتها؛ فانتظرت طويلاً، ولما علمت بولادتها سألت عن غرفتها، ولكنهم طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادتها، دخلت على الطبيبة كلمتني عن المصائب والرضا بالقضاء والقدر، ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدو أنه فاقد البصر!... تذكّرت المتسوّل الأعمى الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس... سبحان الله كما تدين تدان!

قد تكون السخرية بالقول أو الفعل أو التلميح والإشارة، والسخرية بأشكالها كافة تعد من الأخلاق السيئة، ومن الطباع القبيحة على الفرد والمجتمع والتي يجب التخلص منها؛ فهي كالمرض الذي يجب علاجه، ولكل مرض سبب، وإن عرف السبب تيسر العلاج؛ قد يصاب الساخر مسبقاً بسخرية من صحبته أو المقربين له، فتكون سخريته من الناس ردة فعل نتيجة لما حصل معه مسبقاً، ومن أسبابها الرغبة بالظهور وجذب الآخرين بأي وسيلة كانت لشعوره بالوحدة والنقص، وأحياناً الإحساس بالإحباط أو الحسد، كحصول زميله على درجات أعلى منه؛ فيسخر منه للتقليل من شأنه وعمله، ومن الأسباب التي قد تخفى عن البعض غيرة الرجال وحسدهم للمرأة الناجحة التي تفوقت عليهم في العلم أو العمل لنظرتهم الضيقة ما يجعل الرجال أكثر عدوانية من خلال السخرية من النساء، وفي حالات أخرى السبب هو عدم التوافق بالآراء والأفكار؛ فيسخر من صاحب الرأي المخالف له، وأغلب تلك الأسباب تعود إلى حال نفسية سيئة.

نعتقد أحياناً أن السخرية من باب الضحك وإدخال الأُنس في المجالس، ولا نفكر أنها تسبب أزمات وأضراراً كبيرة، كقطع الود والروابط الاجتماعية، والكره بدلاً من المودة، وقد تولد الرغبة بالانتقام من الساخر، وهجر وبُعد الناس عن الساخر تجنبا لأذاه، واعلم أن السخرية علامة على الاستكبار واحتقار الآخرين، وبها يفقد صاحبها الوقار والاحترام، والساخر يعود الضرر إليه كما في قصة الشاب، وكما في قول أحد العارفين: (إني لأرى الشيء، فأكره أن أعيبه مخافة أن ابتلى به).

وأفضل علاج لتلك الحالات القناعة، وعدم مقارنة نفسه بالآخرين، والنظر إلى الجوانب الإيجابية في نفسه التي تجعله يعيد الثقة بالنفس، ويعلم أنه لا يوجد إنسان كامل في هذه الحياة، ومحاولة تجديد حياته وبذل الجهد للحصول على ما يتمنى تحقيقه، ويأخذ بنصائح المقربين ويتقبلها، ويجالس من مَرّ بمثل ذلك للتحدث والاستماع وأخذ الخبرات، لتهذيب النفس والشعور بالراحة النفسية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي