الذكرى الرابعة لوفاة «أمير الإنسانية».. مسيرة حافلة بالعطاءات الخالدة لقائد فذ لا يطويه النسيان
- شهد العالم أجمع على نجاحاته الدبلوماسية في نصرة القضايا العادلة للشعوب وترسيخ ثقافة الحوار
- واصل الشيخ صباح الأحمد ترسيخ العقيدة الكويتية في تبني القضية الفلسطينية التي اعتبرتها الكويت قضيتها الأولى
- خطت الكويت في عهده خطوات واسعة في شتى الميادين رفدت مسارها التنموي وعززت مكانتها العالمية
تحل اليوم الذكرى الرابعة لوفاة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وهي مناسبة يستذكر فيها الكويتيون الجهود الحثيثة التي بذلها الأمير الراحل وعطاءه المثمر خلال مسيرته القيادية من أجل النهوض بالبلاد في شتى الميادين وتعزيز مكانتها الدولية.
وفي مثل هذا اليوم (التاسع والعشرون من سبتمبر عام 2020) ودعت الكويت قائد الإنسانية الأمير الراحل عن عمر ناهز 91 عاما، فنكست أعلامها واتشحت بالسواد أرجاؤها حزنا على زعيم استثنائي انتقل بالبلاد إلى آفاق جديدة في تموضعها العالمي وقادها إلى بر الأمان في ظروف إقليمية ودولية بالغة الدقة والتعقيد.
وبرحيله فقد الوطن العربي قائدا حكيما حريصا على توحيد الكلمة ورص الصفوف وإشاعة السلم ودعم الاستقرار ووأد الخلاف وتوثيق العلاقات وشحذ الهمم، بينما فقد العالم أميرا للإنسانية وقائدا للسلام ودبلوماسيا محنكا وسياسيا خبيرا.
تولى الأمير الراحل دفة الحكم في البلاد في التاسع والعشرين من يناير 2006 إذ عمل منذ اللحظة الأولى على تثبيت أركان النهج الحكيم الذي سار عليه أسلافه من حكام البلاد طوال العقود الماضية ودفع عجلة التنمية وبناء نهضة الكويت وتعزيز استقرارها.
وزخرت مسيرة الأمير الراحل على الصعيد الداخلي بالعطاء المثمر بعدما خطت البلاد خطوات واسعة في شتى الميادين رفدت مسارها التنموي وعززت مكانتها العالمية وتبوأت من خلالها مكانا مرموقا في حقبة امتلأت بالتحديات الجسام محليا وإقليما ودوليا.
وتبنى الفقيد رؤية استشرافية للتنمية في الكويت شملت مختلف قطاعات الدولة شجع عبرها القطاع الخاص وفتح آفاق العمل الحر أمام الشباب وعمل على تحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري إقليمي في سبيل استعادة دورها التاريخي ك(لؤلؤة الخليج).
وشكل الإنسان عنصرا محوريا وحجر أساس في نهجه القائم على البناء والنهضة انطلاقا من عقيدة راسخة بأنه أثمن موارد الوطن وعماد نهضتها ووقود تطور البلاد ورخاؤها.
ولطالما عرف الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد بانتهاج سياسة حكيمة ودبلوماسية فذة حافظ من خلالها على مكانة رفيعة للكويت في محيطها الخليجي والعربي والدولي ورسخ عبرها مبادئ مواجهة التحديات الكبرى وأسس على قواعدها بنيانا فريدا للسياسة الخارجية الكويتية.
وشهد العالم أجمع على نجاحاته الدبلوماسية في نصرة القضايا العادلة للشعوب وترسيخ ثقافة الحوار والتعاون البناء بين الشركاء وحماية البلاد من التهديدات والاضطرابات.
وواصل الشيخ صباح ترسيخ العقيدة الكويتية في تبني القضية الفلسطينية التي اعتبرتها الكويت قضيتها الأولى وعملت في كل المحافل على نصرة الحق الفلسطيني سياسيا وإنسانيا.
وفي سبتمبر من عام 2014 كرمت منظمة الأمم المتحدة الأمير الراحل تقديرا لجهود سموه وإسهاماته الكريمة بتسمية سموه (قائدا للعمل الإنساني) وذلك بعد مسيرة حافلة من المساهمات الكبرى للكويت على الصعيد الإنساني العالمي ومساعدة الشعوب المنكوبة.
ونال الأمير الراحل خلال مسيرته العشرات من الأوسمة والقلادات والأوشحة كان آخرها حصوله في سبتمبر عام 2020 على (وسام الاستحقاق العسكري برتبة قائد أعلى) من الولايات المتحدة الذي يعد أعلى وسام عسكري يمنح عن جدارة لقائد غير أميركي تقديرا لجهوده السامية وإنجازاته المميزة.
وشكلت اللجنة التنفيذية العليا التي عهد إليها مهمة تنظيم مصالح الحكومة ودوائرها الرسمية أولى محطات مسيرة عطاء الأمير الراحل إذ عين عضوا فيها خلال عام 1954 ثم تولى في العام الذي يليه منصب رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل.
وفي تلك المرحلة عمد الشيخ صباح إلى تنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل واستحدث مراكز التدريب الفني والمهني للشباب ورعاية الطفولة والأمومة والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة كما شجع الجمعيات النسائية والأندية الرياضية.
وأولى كذلك اهتماما بالغا بالفنون فأنشأ أول مركز لرعاية الفنون الشعبية في الكويت عام 1956 ثم أضيفت إلى مهامه في عام 1957 رئاسة دائرة المطبوعات والنشر فأصدر الجريدة الرسمية للكويت (الكويت اليوم) وأنشأ مطبعة الحكومة لتلبية احتياجاتها من المطبوعات وأشرف على إصدار مجلة (العربي).
وعين الأمير الراحل عضوا في المجلس التأسيسي الذي عهدت إليه مهمة وضع دستور البلاد بعد استقلال الكويت عام 1961 ثم عين في أول تشكيل وزاري عام 1962 وزيرا للإرشاد والأنباء.
وشهد مطلع العام 1963 انطلاقة مسيرة الفقيد في العمل السياسي الخارجي بعدما عين وزيرا للخارجية ليقضي على رأس الوزارة 40 عاما ويصبح مهندس السياسة الخارجية الكويتية وعميد الدبلوماسيين في العالم.
ونجح الأمير الراحل في رفع اسم الكويت عاليا في جميع المحافل ودعم مسيرة مجلس التعاون الخليجي وتوثيق الصلات بين الكويت والدول الصديقة والشقيقة.
ويستذكر الكويتيون بكل فخر الدور الكبير للفقيد خلال توليه وزارة الخارجية حيث رفع علم الكويت فوق مبنى الأمم المتحدة بعد قبول البلاد عضوا فيها في 11 مايو 1963.
وحظيت جهود الشيخ صباح الأحمد بتقدير عربي رفيع وإشادات واسعة نظير سعيه الدؤوب لجمع الأشقاء ورأب الصدع على مدى مسيرته الطويلة حيث شارك في وضع حد للحرب الأهلية باليمن في أغسطس 1966 وأسهم في توقيع اتفاق سلام بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي في أكتوبر 1972 إلى جانب نجاحه في إقامة علاقات دبلوماسية بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية.
وأسس الأمير الراحل لمبدأ التوازن في السياسة الخارجية ومواجهة القضايا المعقدة ومن أبرزها الحرب العراقية الإيرانية وما نتج عنها من تداعيات على أمن الكويت واستقرارها داخليا وخارجيا.
كما بذل جهودا كبيرة في تعزيز علاقات الكويت الخارجية مع مختلف دول العالم لا سيما الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ومع الأمم المتحدة.
وتوجت مسيرة السياسة الخارجية الكويتية الفريدة بالتضامن العالمي غير المسبوق مع البلاد في الثاني من أغسطس 1990 حيث وقف العالم أجمع مناصرا للحق الكويتي في وجه الغزو العراقي الغاشم وأصدر مجلس الأمن آنذاك القرار رقم 678 الذي أجاز استخدام كل الوسائل بما فيها العسكرية ضد العراق ما لم يسحب قواته من الكويت.
وأسندت إلى الفقيد خلال مسيرته حقيبة وزارة الاعلام بالوكالة ما بين 2 فبراير 1971 و3 فبراير 1975 كما عين نائبا لرئيس مجلس الوزراء في 16 فبراير 1978 وفي 14 مارس 1981 عهدت إليه حقيبة الإعلام بالوكالة إضافة إلى وزارة الخارجية حتى 9 فبراير 1982.
واستمر الأمير الراحل في مسيرة العطاء رئيسا لمجلس الوزراء حتى يناير عام 2006 عندما اجتمع ذلك المجلس واتخذ قرارا بالإجماع بتزكية الشيخ صباح أميرا للبلاد وفقا لقانون توارث الإمارة.
وشهدت الكويت في عهد الأمير الراحل والذي أستمر 14 عاما نهضة تنموية شاملة زخرت بالمشاريع الضخمة اقتصاديا وصحيا وتنمويا وخدميا وتبوأت البلاد مكانة مرموقة بين دول العالم وحققت إنجازات عديدة ستظل مدونة في تاريخ الكويت وعطاءاته الخالدة وشاهدة على قائد فذ لا يطويه النسيان.
ويعد الشيخ صباح الأحمد رحمه الله هو الابن الرابع للأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح الذي توسم في نجله الفطنة منذ صغر سنه فأدخله (المدرسة المباركية) ثم أوفده إلى بعض الدول للدراسة واكتساب الخبرات والمهارات التي أثقلته على مختلف الأصعدة وساعدته على ممارسة العمل في المناصب الرسمية.
وهو الحاكم الخامس عشر لدولة الكويت الذي حظي توليه دفة الحكم بمباركة وتأييد شعبي ورسمي كبير وبويع بالإجماع من أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية ليصبح أول أمير منذ عام 1965 يؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة.