85 طناً من المتفجرات زلزلتْ بيروت وضواحيها

كيف جهّزت إسرائيل عملية اغتيال نصرالله؟

دمار هائل أحدثته الغارات الإسرائيلية في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت  (أ ف ب)
دمار هائل أحدثته الغارات الإسرائيلية في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ ف ب)
تصغير
تكبير

منذ أن اغتيل قائد «لواء القدس» في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني في بغداد عام 2020 بأمرٍ من الرئيس دونالد ترامب، أصبح الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، القائد غير المعيَّن لـ «محور المقاومة»، وصار الهدفَ الأساسي لإسرائيل ومعها الولايات المتحدة خصوصاً منذ بدء الحرب على قطاع غزة وإعلان الحزب، أنه جزء منها كجبهةٍ إسناد.

ودأبت إسرائيل على تجديد بنك أهدافها مستخدمةً الجيل الخامس والسادس من الحرب الذكية لاستهداف قادة المقاومة أثناء وجودهم في منازلهم أو في أماكن اجتماعاتهم.

لذلك فإن استهدافَ القيادة برئاسة نصرالله، الذي أعلن «حزب الله» عن اغتيال تل أبيب له ومعه رفاقه، هو جزءٌ من اعتبار «حزب الله» أحد التهديدات المركزية لأميركا وإسرائيل اللتين حضّرتا معاً لمواجهته منذ عام 2006 حين لم يكن جيش إسرائيل جاهزاً حينها للمعركة ولتدمير الخصم اللبناني الرئيسي والأخطر، ولتندفع تل أبيب هذه المرة بشراسة أكبر في الحرب ضد الحزب.

في 2006، كان لدول عدة تأثير على إسرائيل، على عَكْس ما حصل يوم السابع من أكتوبر 2023 واستفراد أميركا بالرأي العالمي والتغطية على جميع جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين واللبنانيين. وفي 2006، دخلت إسرائيل الحربَ غير مستعدة وبعجالةٍ لمواجهة «حزب الله» الذي كان أضعف بكثير مما هو عليه اليوم. فجهزت نفسها لمدة 18 عاماً بحثاً عن أهداف تستطيع تدميرها يوم تندلع الحرب الكبرى.

لذلك استخدم الجيش الإسرائيلي الحربَ السيبرانية التي يقودها الذكاء الاصطناعي للكشف عن نقاط الضعف لدى «حزب الله» وتوليد المعلومات واختراق الأجهزة وتحليل الاستخبارات لمعالجة وغربلة كميات هائلة من بيانات الاستخبارات الصادرة عن صور الأقمار الاصطناعية واعتراض الاتصالات والمعلومات البشرية.

وتستخدم الاستخبارات الجغرافية الفضائية (GEOINT) الأقمار الاصطناعية في تحديد المخابئ تحت الأرض أو صوامع الصواريخ أو المرافق المخفية ما يساعد على اكتشاف التحصينات أو أماكن تخزين الأسلحة أو صالات الاجتماعات.

وتُستعمل التحليلات التنبؤية لتوقّع تحركات الخصم والتخطيط والإستراتيجيات والتحركات للتحضير للاجتماعات من خلال بناء أنماط البيانات التاريخية ونشاط الاتصالات والاستخبارات المكانية من الأقمار الاصطناعية التي تنشرها أميركا وإسرائيل.

وتَعترض الأقمار الاصطناعية الاتصالات من خلال أقمار الـ ISR (الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع) لمراقبة أجهزة الخليوي والأجهزة اللاسلكية وأجهزة النداء وتحلل أنماط الاتصالات وتعترضها لجمع المعلومات. يضاف إليها ما تستطيع جمْعه الطائرات من دون طيار للمراقبة المعزَّزة بالذكاء الاصطناعي والقدرات السيبرانية.

وعند دَمْجِ جميع المعلومات بعد فك تشفيرها، تقدّم النتيجة بشكل دقيق وتَتبع النمط المعتمَد لتركّز الاستخبارات على الأماكن التي تَعتقد أن العدو سيستخدمها في شكل متكرر، لتعدّ العدة للاغتيالات والضربات الجوية بالذخيرة المناسبة.

وقد أعلنت إسرائيل أنها استخدمت 85 طناً من المتفجرات في الضربة التي أعلنت فيها عن اغتيال نصرالله وقادة آخرين، وهذا يدلّ على أنها استعملتْ نوعين من الذخيرة:

GBU-31JDAM الأميركية التي تملك إسرائيل منها أعداداً كبيرة استلمتها كجزء من المساعدات العسكرية. وهي تمثّل جزءاً أساسياً من قدرة تل أبيب على شن الغارات الجوية، ما يسمح لها بتوجيه القنابل بدقّة إلى أهدافها. وقد استُخدمت هذه الذخيرة في غزة ولبنان.

SPICE 2000 وهي ذخيرة إسرائيلية تطورها شركة «رافاييل» التي قصفها «حزب الله» تكراراً في الأسابيع الأخيرة. وقد استخدمت إسرائيل هذه القذائف في سورية وغزة ولبنان.

وأحدثت هذه الكمية من القذائف هزة أرضية تردّدت ارتجاجاتُها في مدينة بيروت وضواحيها، إلا أنها أحدثتْ حفرةً غرقت بداخلها المباني الأربعة التي استهدفتْها إسرائيل ومعها جميع سكانها، لتتأكد من أنه لن يخرج أحد من المجتمعين أحياء.

وما زالت إسرائيل تضرب القدرات العسكرية التابعة للحزب، وكذلك قادته باستخدام سلاح الجو والمعلومات الاستخباراتية المتراكمة منذ أكثر من 18 عاماً، منها جديد ومنها قديم غير محدّث.

إلا أن نشوة «الانتصار» التي يعيش فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ستسمح له بالانتقال إلى ضرب الأفراد بعد المقدرات، لينتقل إلى مرحلة أخرى ما دامت هذه الحرب الجوية على لبنان تقدّم له الفرصة التاريخية التي يَبحث عنها لشن حرب على لبنان وإضعاف «حزب الله» بعدما وجّه بوصلة جيشه نحو لبنان، الأمر الذي رفع الضغط الداخلي عنه ويعوّض عليه، لغاية الآن، الخسائر المعنوية والسياسية التي مني بها بعد حرب غزة.

لكن المقاومة لم تقل كلمتها لأنها تلملم جراحَها وتحتاج لقائد يدير المعركة والذي عُيّن عند إعلان سقوط نصرالله. وهي مسألة وقت قبل أن يستعيد «حزب الله» المبادرة ويستفيق من الضربات التي وجهت إليه لأن الكلمة ما زالت للميدان وستظهر نتائجها في الأيام المقبلة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي