زرتُ العاصمة النمسوية (فيينا) في رحلة عمل قبل أسبوع، عادة ما تضاعف رحلات العمل الخارجية من نشاط الإنسان ورغبته في العمل أكثر. في الأوقات التي أنتهي بها من عملي كنت أذهب للتنزه في المدينة مشياً على الأقدام والتعرف على الأماكن.
كانت السماء جميلة بعد أيامٍ من المطر الغزير والذي سبب فيضانات في دول أوروبية عدة، فكان من حسن حظي أن أحظى بأيام مشمسة جميلة. عندما أذهب للتسوق أو الجلوس في المقاهي أو المطاعم فإنني أحيي العاملين وأسأل عن أحوالهم وأحوال عوائلهم، أنا لا أعرفهم لكنني بعد السؤال أحظى دائماً بتعامل خاص وترحيب منهم وأحياناً يقدمون لي طبقاً من الحلوى دون مقابل.
غالباً ما أسبب الإزعاج بسبب كثرة أسئلتي والبعض يراني ممتعة، فهو يحب الإجابة واستعراض ثقافته، البعض الآخر كان يقولها صراحة أن من يطرح الأسئلة هو إنسان جاهل ويجب أن يخجل من نفسه، خاصة أمام الأصغر منه سناً يجب ألا يطرح الأسئلة، ولكن هذا التعليق لم يردعني عن السؤال، وكما قال ابن شهاب الزهري «العلم خزائن، وتفتحها المسائل».
جلست أتحدث مع أحد الشخصيات العربية، وهو ملتزم في عمله وصاحب شركة يعمل بها العديد من الموظفين، أثناء جلوسنا للتحدث كان هاتفه لا ينفك أن يرن كل دقيقة ليستأذنني بالرد، كانت المكالمات مليئة بالمشاحنات، فيعلو صوته قليلاً ومن ثم ينتهي من مكالمته فيعود للحديث معي، قلت له: هل أنت دائم التوتر في ما يخص شركتك وعملك هكذا؟ فأجابني بعتب: أنا لا أعرف ما الذي يدور في بال هذا الجيل من الشباب، إنهم لا يحبون العمل، بل يحبون إيداع راتبهم نهاية الشهر. ابتسمت له وقلت: أعتذر منك سيدي لا أقصد الاستهانة، ولكن شعرت بأن الكويتي قد ظُلم عندما نعته البعض بالمهمل وبأن الأجنبي يعمل أفضل منه. فأجابني: أنا أفهم قصدك يا ابنتي، ولكن هذه المعاناة في كل مكان وليس فقط عند الكويتيين.
البعض يتعمد التقليل دائماً من شأن الكويتي في مهاراته ويسرد النماذج التي لم تنجح ليعممها على الجميع، ويشيرون صراحة إلى جيبه، لا ألوم الشباب في كل أنحاء العالم، اليوم أكثر المحظوظين هم المشاهير وتصويرهم الدائم لممتلكاتهم وما يكسبونه (في اليوم) مقابل شهرتهم، مقارنة بموظف يعمل ثماني ساعات في اليوم بوجود مراقب وأكثر المراقبين يعشقون البحث عن أخطاء الموظفين ويتغاضون عن مميزاتهم وإنتاجهم.
تعمل الدعايات اليوم على نشر مفهوم التحرر من الوظيفة وفتح مشروع وبأن الأمر بسيط ويجب أن يتنازل الإنسان عن وظيفته، ويفاجأ في ما بعد أن المشاريع نجاحها رزق وحظ لا يناله الجميع. نأتي في نهاية هذا كله ونكتب مقالاً أو تصريحاً ننتقد به الموظفين وبأنهم يعملون لأجل المال، ومن هو الذي يملك بيتاً والتزامات واهتمامات في حياته ويضحي بوقته وصحته وعمره للعمل تطوعاً لخدمة صاحب العمل؟
إنّ عقل الموظف مليء بالتراكمات فهو ليس مستعداً لسماع كلمات النقد اللاذع والمستمر وحصر الكسل على جنسية دون أخرى، كل ما يحتاج إليه هو التشجيع والتحفيز للعمل والعطاء.