سافر إلى ذاتك

لا تهرب

تصغير
تكبير

في يومٍ مشمسٍ، قد تُقرر أن تخرج لتواجه العالم، ربما لشراء بعض الخضراوات أو محاولة التفاعل مع جارك الذي يُلقي عليك التحية كل صباح. ولكن فجأة، يظهر في المشهد بطل غير متوقع: **اضطراب الشخصية التجنبية**. هذا البطل الخفي ليس جديداً، إنه دائماً هنا، مختبئ بين ثنايا الخوف من الرفض وتجنب كل ما قد يُشعرنا بعدم الراحة.

عندما نتحدث عن **اضطراب الشخصية التجنبية** (Avoidant Personality Disorder)، نحن لا نتحدث عن شخص يفضل البقاء وحيداً ببساطة، بل عن تلك الشخصية التي تُجيد الهروب من كل شيء قد يحمل في طياته احتمالية الفشل أو الانتقاد. تخيل أنك محاصر في دائرة لا نهاية لها من الشك، حيث كل خطوة تُعتبر مغامرة نحو الرفض والإحراج، وكأنك تمشي على جسرٍ هشٍ معلّق بين سماوات التفاؤل وسقوط لا مفر منه في وادي الإحباط.

العلامات السريرية لهذه الحالة تأتي كمجموعة من «المهارات» الغريبة التي تتقنها الشخصية التجنبية. على سبيل المثال، إذا كنت تملك هذه الشخصية، فأنت حتماً خبير في فنون:

1. **تأجيل المواجهة**: لماذا تجيب على الهاتف أو تفتح بريدك الإلكتروني؟ ماذا لو كان هناك شخص يريد أن ينقض عليك بعبارة «أنت فاشل»؟ الأفضل أن تتجنب هذا كله.

2. **الهروب من العلاقات**: العلاقات البشرية معقدة. ماذا لو اقترب منك شخص وأصبحت مجبراً على الحديث عن نفسك؟ أو أسوأ من ذلك، ماذا لو اكتشف أنك لست مثالياً؟

3. ** الاختفاء في العمل**: لماذا تكون بارزاً؟ البقاء خلف الكواليس، في الظلال، هو أكثر أماناً. لا أحد يُحرج من مكانه الدافئ والمظلم تحت الطاولة.

لكن، وبالرغم من أن هذا الاضطراب قد يبدو في ظاهره كوميديا تراجيدية، إلا أن أسبابه عميقة ومتجذرة في اللاوعي. هناك من يشير إلى أن الطفولة قد تكون مرحلة حاسمة، حيث يصبح الطفل مجبراً على تبني إستراتيجيات دفاعية لتجنب الألم النفسي المتكرّر، مثل الانتقاد أو الرفض المستمر. وبالتالي، عندما يكبر هذا الطفل ويصير بالغاً، يتحول القلق إلى نمط حياة، ويصبح الهروب والتجنب أدواته اليومية للتعامل مع كل موقف محرج أو غير مألوف.

والسؤال هنا: هل هناك أمل؟ بالطبع! العلاج النفسي، وبالأخص **العلاج المعرفي السلوكي** (CBT)، يُعتبر من الأدوات الفعّالة للتعامل مع هذا الاضطراب. من خلال هذا النوع من العلاج، يتم تدريب الشخص على مواجهة مخاوفه بطريقة تدريجية، حتى يتمكن من التفاعل مع العالم دون الانهيار في كل مرة يُواجه فيها رفضاً أو نقداً.

وفي الختام، إذا كنت ممن يعيشون في ظل اضطراب الشخصية التجنبية، فتذكر أن الحياة ليست سلسلة من الامتحانات التي يجب أن تجتازها بالعلامة الكاملة. أحياناً، يمكن أن تفشل، وأحياناً يمكن أن تكون غير مثالي، وهذا تماماً ما يجعلنا بشريين. تجرأ على الفشل، وستكتشف أن الرفض ليس بالسوء الذي تخيلته.

تحياتي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي