ألوان

مأساة لبنان

تصغير
تكبير

لن أنسى مكانة لبنان الحبيب، وهو جنة من جنان الأرض يتكئ على الحضارة والثقافة والفنون وإبداع الإنسان اللبناني، بيد أن الحرب الأهلية والحروب المفروضة عليه من الكيان الصهيوني وتدخل الكل في تفاصيل مفاصله يجعله فريسة للكثير من المؤامرات والأزمات التي عصفت وما زالت تعصف به، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية، إلا أن لبنان ما زال متألقاً ويعد أفضل عاصمة سياحية في المنطقة لأهل الشرق والغرب، بيد أن الأحداث تحرم اقتصاده من الحصول على تلك الأفضلية والتي تمثل جزءاً من مأساته.

إنّ الأحوال الهادئة في لبنان لا تستمر لأسباب داخلية أو خارجية آخرها ما قام به الكيان الصهيوني بعدوان سيبراني أولاً على مدى يومين متتاليين باستهداف تفجير أجهزة الاتصالات التابعة لأعضاء «حزب الله»، وهو مكون من نسيج لبنان السياسي، وما تلاهما من غارة على ضاحية بيروت الجنوبية وعدوانه أمس عبر سلسلة غارات طالت مناطق مختلفة.

يقول أهل الاختصاص إن الانفجار في آلة النداء جاء أثناء التصنيع ويتم التفجير في ما بعد تفعيل المادة أثناء التصنيع، وربما هناك تفسيرات علمية أخرى ولكن هل هناك اختراق لمؤسسة الأمن اللبناني أم أن هناك عيوناً للكيان الصهيوني في لبنان، لطالما أن لبنان دولة مواجهة؟.

وقال موقع «تلكس» المجري إن شركة «باك كونستلينج» المجرية هي التي وقّعت العقد مع «غولد أبولو» التايوانية كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز، أن اسرائيل فخخت أجهزة اتصال طلبها «حزب الله» من شركة «غولد أبولو» التايوانية، وقد يكون تم التلاعب بأجهزة الاتصال قبل وصولها إلى لبنان.

في هذه الآونة، قام نتنياهو بتأجيل عزل وزير حربه، غالانت، بسبب تلك العملية وبسبب تداعيات الأمور المترتبة على تلك العملية النوعية، خاصة أن رئيس الوزراء الصهيوني ما زال متخبطاً بقراراته رغم تمثيله أنه رجل قوي، بيد أن افتعاله جبهة إضافية في لبنان إنما ليجر الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية إلى تقديم المزيد من الدعم المادي والمعنوي والعسكري والسيبراني من أجل بقائه في السلطة ومن أجل إلغاء أو تأجيل محاكمته، لأنه يدرك أنه ما إن يترك منصبه سيتم القبض عليه بتهم عدة أهمها الفساد المادي.

إنّ تلك العملية الأخيرة في لبنان إنما تدفعنا نحو الشعور بالخوف من الذكاء الاصطناعي والتمادي في استعماله ضد الإنسانية، مثله مثل الهندسة الوراثية في القرن الماضي ولكن تواطؤ العنصر البشري كارثي على أي بلد.

إن ما حدث من اختراق سيبراني وقد يكون مقدمة لأعمال سيبرانية قد تحدث، الأمر الذي تفادته المقاومة الفلسطينية خصوصاً يحيى السنوار وفريق عمله.

لقد كانت فاجعة قلبت موازين الاستعداد اللبناني لمثل تلك الأحداث التي تشير إلى خلل وقصور سيبراني لدى الإدارات التابعة لحزب الله، خاصة أن هناك أرواحاً أُزهقت وإصابات كثيرة وصلت إلى السفير الإيراني لدى لبنان واثنين من حراسه الشخصيين.

نتنياهو شرع أمس بإكمال العدوان على لبنان، لأنه يريد توسيع دائرة الحرب لأن الكيان الصهيوني يعتبر ضمن محظية الغرب التي تمتلك الكثير من الأوراق التي يمكنها من الضغط على كل سياسي في كل دولة غربية تقدم له العون رغماً عنه!

نتنياهو يعزو قرار استهدافه للمناطق اللبنانية تسهيلاً لعودة المستوطنين الذين يسكنون قريباً من حدود جنوب لبنان، وبالتالي فإن عدوانه لن يكون بصورة تعود بنا إلى منتصف الثمانينات لأن المعطيات مختلفة ولن يجد من يسانده من الداخل اللبناني السياسي كما كان الوضع في ذلك الوقت.

لقد استوعب الساسة اللبنانيون الدرس من تلك الحقبة المهمة وبالتالي ظهرت تصريحات لساسة لبنانيين كثر تعكس قرباً كبيراً من الوحدة الوطنية رغم التعددية الأيديولوجية والطائفية بل إن هناك تكاتفاً بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، وما توجه الكثير من الفلسطينيين إلى التبرع بالدم بعد الحادثين السيبرانيين إلا صورة دالة على ذلك.

الناطقة باسم البيت الأبيض حاولت التأكيد والتركيز على أن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن على علم بالعمليتين السيبرانيتين بينما الواقع أنه لا يوجد أي فرق إن علمت أم لا لطالما أنها لن تمنعها ولن توقفها، وما تجربة العدوان على غزة والضفة الغربية إلا دليل دامغ على ضعف أميركا أمام تلك المحظية رغم أجواء الانتخابات.

وتصر إسرائيل على أنها لم تخبر أميركا بقصف الضاحية في بيروت أيضاً، بل أخبرتها في ما بعد، ناهيك عن الانتهاك الصارخ للقوانين الإنسانية وقد تجلى ذلك في رمي أربع جثث في غزة من أعلى بناية، وتشويه جثة عبر جرافة وهي ليست المرة الأولى التي يقوم بها جيش الكيان الصهيوني.

ساري باشي، مديرة البرامج في منظمة «هيومن رايتس ووتش» نددت وقالت إن إسرائيل تقوم بجرائم وعلى الدول التي تساندها التوقف عن تزويدها بالأسلحة.

أعتقد أن جنوح نتنياهو إلى أجواء الحرب والتدمير إنما تعكس ثقته بأنه في الحلقة الأخيرة من وجوده في عالم السياسة، فهو لم يكترث إلى مظاهرات ذوي الأسرى ولا العسكريين المختصين ولا المعارضة ولا أصدقائه، لأنه لا يكترث إلا لنفسه، لذا فإنه يهرب نحو الأمام أي نحو الحرب كما أنه يريد من «حزب الله» الانفصال عن غزة وتبعاتها فجاء الرد من السيد حسن نصر الله، الذي أكد أن حساب إسرائيل سوف يكون عسيراً وأنها سوف تواجه القصاص العادل لأنها أرادت قتل أربعة آلاف شخص خلال دقيقتين فقط في حادث الاعتداء السيبراني الأول يوم الثلاثاء الماضي.

لقد خسرت إسرائيل الحرب رغم قدرتها الفائقة على القتل والتدمير، لأن نتنياهو لم يحقق أي هدف يسعى إليه ولم يكن شارون أقل إجراماً منه الذي كان وراء مذبحة «صبرا وشاتيلا».

وفي الختام، يجب تدخل العالم على مستوى منظمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبضغط من أميركا ودول أوروبا الكبرى لإيقاف الحرب على لبنان وغزة معاً.

همسة:

سياسة النفس الطويل سوف توقف تنفس الكيان الصهيوني.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي