خواطر صعلوك

اللي ما عنده «اكتئاب» عنده «هبل» !

تصغير
تكبير

يبدو أن التريند العالمي اليوم هو الصحة النفسية، وبالتحديد الاكتئاب، أصبح الاكتئاب موضة العصر، وكأننا جميعاً مطالبون بأن نكون مكتئبين لكي نكون «على الموضة»، الشخص الذي لا يُعاني من الاكتئاب، فهو متهم بأنه مصاب بـ«الهبل»، وكأن السعادة والبساطة أصبحتا جريمة يُعاقب عليها القانون.

في كل مكان تذهب إليه، تجد الناس يتحدثون عن الاكتئاب، كأنه أصبح عنواناً للرفاهية النفسية. «أنت مكتئب؟ أوه، هذا رائع، أنا أيضاً، ولكني مكتئب أكثر منك»!، هكذا تبدأ الأحاديث في المقاهي والمجالس. يبدو أن الإصابة بالاكتئاب أصبحت شعاراً للتفوق الاجتماعي، وكأنها تذكرة دخولك إلى نادي النخبة النفسية.

أما إذا كنت من هؤلاء الذين لا يعانون من الاكتئاب، فأنت بالتأكيد تُعاني من «الهبل». كيف تعيش حياتك بسعادة وراحة بال في هذا العالم المجنون؟ هل أنت معزول عن الواقع؟ هل تعيش في كوكب آخر؟ الشخص الذي لا يُعاني من الاكتئاب يُعتبر غريب الأطوار، وكأنه كائن فضائي هبط إلى كوكبنا بالخطأ.

الصحة النفسية أصبحت «تريند» عالمياً، وكأنها ماركة مسجلة يجب أن نحملها جميعاً. تجد الناس يتبادلون النصائح حول أفضل الأدوية المضادة للاكتئاب، وأحدث الطرق للتعامل مع نوبات القلق. أصبحت مشكلات الصحة النفسية مثل الموضة، تتغير من موسم إلى آخر، ويجب عليك أن تواكبها حتى لا تبدو خارج السياق.

لماذا يجب أن نكون مكتئبين؟... يخبرهم الرجل، فيجيبون عليه بصوت واحد: «إن العالم أصبح مكاناً لا يمكن العيش فيه بسعادة. الحروب، الأزمات الاقتصادية، التغيرات المناخية، وحتى الأخبار اليومية، كلها تدفعنا نحو الاكتئاب».

ولكن هل يجب علينا حقاً أن نستسلم لهذه الظاهرة؟ هل يجب أن نكون مكتئبين لكي نكون جزءاً من هذا العالم؟... يخبرهم الرجل، فيجيبون عليه بصوت واحد في أبواق بوذية: «إذا لم تكن مكتبئاً... فأنت بالتأكيد (أهبل)».

لنكن صريحين، ليس كل مَنْ يُعاني من الاكتئاب يقول الحقيقة، البعض يستخدم الاكتئاب كذريعة للتهرّب من المسؤوليات، أو للحصول على تعاطف الآخرين، حيث أصبح الاكتئاب وسيلة للحصول على الاهتمام، وكأنه بطاقة دعوة لحضور حفل اجتماعي.

ولنكن صريحين أيضاً بأن الحزن أو النصب سمة طبيعية في الحياة، بل إن علماء المخ والأعصاب يخبرونا بأن البكاء والدموع مفيدة جداً لاسترخاء مخزون الذكريات في مراكز المخ، ولكن أحد أصدقائي يبالغ جداً لدرجة أنه ذات يوم شاهد أحد المسؤولين على الشاشة مرة واحدة، ولكن هذا المسؤول ظهر له في أحلامه أكثر من أربعين مرة، فقرّر أن يدخل في حالة اكتئاب ويزور طبيباً نفسياً لعله يتخلّص منه... أقصد يتخلص من المسؤول وليس الاكتئاب!

في النهاية، يبدو أن العالم قد فقد توازنه. بين الاكتئاب والهبل، نحن نعيش في زمن يحتاج إلى إعادة تقييم. السعادة ليست جريمة، والراحة النفسية ليست علامة على «الهبل» بقدر كونها علامة على القُرب من الله، دعونا نعيش حياتنا ببساطة، ونبحث عن السعادة في الأشياء الصغيرة، دون الحاجة إلى الانخراط في موضة الاكتئاب.

فلنكن مكتئبين إذا كنا حقاً نُعاني، ولكن دعونا لا ننسى أن الحياة تستحق أن نعيشها بسعادة وراحة بال. إذا كان لديك اكتئاب، فابحث عن العلاج، وإذا كنت سعيداً، فلا تدع أحداً يصفك بالهبل. في النهاية، الصحة النفسية هي حق للجميع، وليست موضة للمزاحمة عليها ويجب على الجميع اتباعها، وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر

moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي