«التوسع التدريجي» مستبعَد

... لهذا تعتقد واشنطن أن حرب لبنان «كارثية» على إسرائيل

دخان غارة إسرائيلية على بلدة راشيا الفخار جنوب لبنان أمس (أ ف ب)
دخان غارة إسرائيلية على بلدة راشيا الفخار جنوب لبنان أمس (أ ف ب)
تصغير
تكبير

لم يَستخدم أحدٌ جملةَ «إسرائيل ستزول من الوجود» مِن قَبل خارج دائرة قادة «محور المقاومة» ومرجعيتها الدينية.

إلا أن دونالد ترامب، المرشح الرئاسي، رَفَعَ أخيراً الصوت ليفاجئ الجميع بأن «إسرائيل لن تبقى وستزال من الوجود بعد سنتين» إذا انتُخبت منافسته كامالا هاريس.

ولم يدقّ ناقوس الخطر شخصٌ من خارج الإدارة الأميركية فقط، ولأسباب قد تُفسّر بأنها محض انتخابية، بل صرّح منسق الاتصالات الإستراتيجية للأمن القومي جون كيربي، بأن «اندلاع حرب شاملة مع لبنان ستكون عواقبها وخيمة وكارثية ونتائجها غير متوقَّعة. فالحرب ليست لعبة ولا يمكن محو الطرف الآخَر وقد تدفع إسرائيل ثمناً باهظاً من دون أن تحقق أهدافها».

فكيف «ستزول إسرئيل»، بحسب ما قاله ترامب؟ وماذا قصد كيربي بتحذيره تل أبيب من كارثةٍ قد تقع عليها إذا شنّت الحرب على لبنان؟

مما أصبح من الثوابت لدى القادة الغربيين وكذلك لدى إسرائيل، أن الحربَ على الجبهة اللبنانية لن تتوقف مهما اشتدّت وتيرتُها إلا إذا توقّفت الحرب على غزة. وبدأت حركاتُ المقاومة الداعمة لفلسطين بتحضير برامجها الدفاعية والهجومية لعام 2025 على اعتبار أن الحرب يمكن أن تستمر طوال 2024 وقد تمتدّ للسنة المقبلة، بحسب مصادر عسكرية قيادية.

وتشير المصادر إلى أن «حزب الله أطلق أكثر من 1000 صاروخ ليزريّ وأكثر من 2000 طائرة مسيَّرة ضد أهداف إسرائيلية تَجَسُّسية ودبابات ومراكز عسكرية واستخباراتية نقطية. وهذه كميةٌ ضخمة لا تملكها (العديد من) الجيوش النظامية الشرق أوسطية».

ويبدو أن الحزب - بحسب المصادر – تَسَلَّمَ كميات تعادل عشرات أضعاف ما استُخدم حتى اليوم والذي قدّرته إسرائيل بـ7500 صاروخ ومسيّرة على أنواعها المختلفة، استعداداً لحربٍ طويلةٍ مفتوحةٍ على سيناريوهات عدة.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن إسرائيل «حاولتْ تقليصَ خط الإنتاج الآتي من سورية إلى حزب الله بضرْبها بضعة مصانع للصواريخ. إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن سورية تملك مئاتٍ من هذه المصانع التي تُنْتِجُ على مدار الساعة الصواريخ المتطوّرة لجبهة سورية ولبنان. وهذا ما يسمح بالحفاظ على وتيرة التراشق بغزارةٍ متفاوتة. بالاضافة إلى ذلك، يستمرّ خط الإمداد اللوجستي - والذي لم يتوقف ولو ليوم واحد - بالتدفق بين إيران ولبنان عن طريق البر، هذا عدا عن الإنتاج المحلي المصنَّع في لبنان».

وتؤكد المصادر أن «حزب الله زجّ بقواتٍ بشرية محدودة لأن الجبهة، رغم طولها الذي يتجاوز مئة كيلومتر، لا تحتاج لأعداد أكبر وأن الأنباء التي تحدثت عن نقل عشرات الآلاف من المقاتلين اليمنيين لسورية ولبنان، غير دقيقة لعدم حاجة الميدان لقوات إضافية غير اختصاصية، حتى ولو ارتكبت إسرائيل خطوة انتحارية - مستبعدة - باجتياح مناطق في سورية ولبنان».

ولا توجد مؤشراتٌ عن نيات إسرائيل بتوسيع الجبهة في الوقت الراهن رغم التهويل المتواصل الذي يطلقه القادة الإسرائيليون.

إذ تؤكد المصادر العسكرية أن «هناك مئات الأهداف الظاهرة التي تَعلم بها إسرائيل من دون أن تضربها لأنها تقع خارج نطاق المعركة حتى ولو كانت ضمن مناطق الاشتباك، وذلك خشية المعاملة بالمثل وتوسيع الجبهة. وتالياً، فإن سلاح الطيران يرى أهدافاً عدة غير سرية، إلا انه لا يملك القرار السياسي للتعامل معها، ما يدل على نية عدم التصعيد لغاية الآن».

إذاً لماذا يدقّ كيربي وترامب ناقوس الخطر ما دامت الحرب مضبوطة؟

لا يمكن لإسرائيل أن تعرّف عن نفسها على أنها تملك أقوى جيش في الشرق الأوسط ومن الأقوى في العالم، فيما تفشل في حماية نفسها ومستوطنيها من تنظيم صغير منظّم غير نظامي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حكومة إسرائيل فشلت بتقديم الأمن والأمان للمستوطنين الذين يعيشون حالة اللا يقين القاطعة على الحدود الشمالية مع لبنان وغادروها، إما لغير رجعة وإما أصبحوا مهجّرين. وتالياً فإن ذلك من شأنه أن يولد حالة من الهلع المؤكد لدى المستوطنين تشير إلى أن هذه الأرض (المحتلة) لا تقّدم الأمان، وهو ما سيدفع المزيد من السكان للهجرة كما يحصل منذ السابع من أكتوبر.

وهذا ما عناه ترامب بأن «إسرائيل ستزال من الوجود» لأن سكانها سيرحلون عنها ما داموا لا يثقون بالقدرة العسكرية التي تحميهم خصوصاً بعدما صرح المسؤولون الأميركيون بأنهم «لا يستطيعون حماية إسرائيل إذا ما اندلعت الحرب مع لبنان»، بسبب لعنة الجغرافيا وعدم تمكن القدرات الاعتراضية من إزالة تهديد صواريخ «حزب الله» ومسيّراته.

أما ما قاله جون كيربي وتحذيره من «العواقب الكارثية» إذا اندلعت الحرب على لبنان، فهو ينبع من معرفة مبدئية بقدرات «حزب الله» الذي خاض تجارب الحرب في العراق وسورية ولم ينهزم.

وها هو يخوض معركته باحتراف وانضباط ظاهر للعيان منذ أقلّ من سنة بقليل.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أميركا راقبتْ أداء الجيش الإسرائيلي وفشله في تحقيق أهدافه في بقعةٍ صغيرةٍ ضيقةٍ مُحاصَرة مثل قطاع غزة.

وتالياً، هناك تساؤل عن أداء هذا الجيش في جبهةٍ مستقبليةٍ تبدأ من الناقورة وتصل إلى الجولان المحتلّ ضد عدوٍّ لديه القدرة على مُشاغَلة جبهةٍ بهذا الطول ويملك حدوداً مفتوحة ومتنوعة طوبوغرافيا وترسانة متطورة ومعلومات غنية ويَستخدم الذكاء الاصطناعي ويستفيد من حلفاء يزوّدونه بمعلومات من أقمار اصطناعية ويستعمل صواريخ ومسيّرات دقيقة ضد أهداف عسكرية مختارة فرضتْ إيقاعها على إسرائيل.

ومن الطبيعي أن تقدّر أميركا - وحليفتها إسرائيل - ان جلّ ما تملكه إيران من قدرات عسكرية وتقنيات وصواريخ دقيقة تعمل على الوقود الصلب (يحتاج لأقل من دقيقتين للإطلاق على عكس الوقود السائل) يملك أيضاً «حزب الله» مثلها، هو الذي لم يُخْرِج ترسانتَه الضخمة المدمِّرة بعد.

وبحسب العلم العسكري، فإن الامتناعَ عن إظهار جميع القدرات المدمّرة والمتطورة خيارٌ إستراتيجي يعبّر عن قوةٍ وصبرٍ وعنايةٍ وضبطِ نفسٍ وعدم استخفافٍ بقدرات العدو لتجنُّب التصعيد والاحتفاظ بعنصر المفاجأة والتمسّك بالردع الإستراتيجي تناغماً مع الديناميكية الإقليمية والدولية الحالية، مع الاستعداد في الوقت نفسه للتصعيد وفق شروط يحدد توقيتها هو. وهذا ما يعنيه كيربي بأنه لا يشك في قدرات الجيش الاسرائيلي ولكنه لن ينجح في محو «حزب الله»، والعكس أيضاً صحيح.

ويأتي تحذير كيربي من عواقب كارثية تعبيراً عن خشية أميركا على سمعة إسرائيل ومكانتها لأن احتمال توسيع الضربات الجوية والتدريجية خطوةٌ يحتاج إليها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للبقاء في حالة الحرب، لكن ليس من دون نتائج مدمّرة قد تؤدي إلى صراع واسع النطاق من دون تحقيق أي أهداف يرغب بها، مثل إبعاد «حزب الله» عن الحدود أو تدمير قدراته.

إذاً، ان توسيع المعركة من خلال توسيع الضربات الجوية سيؤدي إلى مواجهة أكبر وتدمير وهجرة أوسع للطرفين إذا خرجت إسرائيل عن خطوط الاشتباك المرسومة لها.

وقد يحصل ذلك فقط بحال دخلتْ الجبهة مرحلة جديدة - مستبعدة حالياً - قد تصل إلى شمال نهر الليطاني من جهة لبنان، وهو ما سيقابله توسّع نحو حيفا ومحيطها، الأمر الذي سيرفع احتمال خروج الأمور عن السيطرة إذا تدحرجت الاشتباكات، وهذا يعني أن أياماً قاسية تنتظر المنطقة، وهو ما تحذّر منه أميركا، حليفتَها التي لا تملك أي فرصة للنجاح في سيناريو مماثل وتدعو نتنياهو انطلاقاً منه لتَجَنُّب الأسوأ... خوفاً على إسرائيل.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي