كلمة صدق

لم تنته الصحافة ولن ينتهي القلم

تصغير
تكبير

يعتقد البعض انه ومع تطور وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة فإن دور الصحف والصحافة قد انتهى أو هو على وشك الانتهاء، وهذا بلا شك اعتقاد متعجل.

لا يمكن نكران تأثير وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة على عادات القراءة وتأثيرها في استجلاب شرائح مختلفة من القراء مما ينعكس بشكل تلقائي على أنماط الكتابة وعلى سلوك الكاتب، إلا أن التطور الكبير في وسائل الاتصال الحديثة يعتبر تطوراً يمس قالب المعلومة وشكلها ولا يمس قلبها.

في العصور السحيقة الماضية كان قالب أو وعاء المعلومة هو جدار الكهوف، كان الإنسان القديم يوثق الأحداث ويعبر عن المشاعر عبر صور يرسمها على جدار الكهف، ثم تطور شكل أو قالب المعلومة فأصبح ألواحاً من الطين توثق فيه المعلومات بأحرف مسمارية في بلاد الرافدين، وورق البردي الذي تكتب فيه الأحداث والتعليمات وغيرها من الأمور بالحروف الهيروغليفية في بلاد النيل. بعدها تطور وعاء المعلومة فأخذ شكل الورق، ثم تطور آخر كبير في اكتشاف طباعة الورق لمخترع الطباعة الحديثة الألماني يوهان غوتنبر في عام 1447 ميلادي.

ثم تطورت أشكال قوالب المعلومات لتصل إلى الحواسيب الآلية العملاقة التي تخزن كميات هائلة من المعلومات، وأقراص السي دي والفلاش ميموري وغيرها من قوالب المعلومات، وأخيراً شبكة الإنترنت المفتوحة والعالم الإلكتروني الافتراضي.

كل هذه الأشكال في قوالب المعلومات ومهما كان تطورها كبيراً، تبقى القيمة عالية وباقية لجوهر ما يكتبه القلم. والتخصصات المتعلقة بالمعرفة والتي يخطها القلم من قانون وطب وهندسة وصحافة وتاريخ هي جوانب معرفية مهمة لا تلغيها التكنولوجيا ولا يلغيها تطور أوعية وأشكال قوالب المعلومات.

أما في ما يخص الصحافة، فقد كان التحدي الأكبر لها هو دخول البث الإذاعي في بداية القرن العشرين، هنا قالوا، لقد انتهت الصحافة والصحف بقدوم الراديو والبث الإذاعي المباشر، لكن الصحافة صمدت.

التحدي الكبير الثاني جاء بعد ظهور التلفزيون وبروز نشرات الأخبار وما يحمل التلفزيون من صور وحركات حية، ينقل بالصوت والصورة الأخبار والأحداث والمسرحيات والأفلام، وحصل التلفزيون على دعم أكبر مع وجود النقل عبر الأقمار الاصنطاعية والبث المباشر، فأصبح بيليه البرازيلي يلعب في سنتياغو في تشيلي ويشاهده عشاق الأصفر في سيؤول في كوريا الجنوبية، ويشاهد عشاق الملاكمة محمد علي كلاي في نيويورك وهو يواجه جون فريزر في مانيلا. هنا قالوا انتهت الصحافة أمام التلفزيون وانتهى دور الصحف، لكن الصحافة لم تصمد فقط بل زادت أهميتها مع الأيام وأصبحت السلطة الرابعة بالقلم.

أما الآن فهل تصمد الصحف والصحافة أمام وعاء المعلومات الجديد والمتطور وهو شبكة الإنترنت ومختلف وسائل الاتصال الحديثة؟ الجواب هو، نعم لكن بشروط.

من شروط استمرار الصحف سواءً بالشكل الورقي أو الإلكتروني هو أن تكون هناك صحافة حقيقية تضم صحافيين محترفين، هكذا صمدت الصحف من قبل، عندما كان لديها تحقيقات صحافية مميزة، يقوم بها محققون صحافيون وليسوا هواة، هنا يكون للصحيفة دورها في التقصي الخبري.

عندما يكون هناك كُتّاب صحافيين يحترفون كتابة القصة الصحافية، حينها لا يمكن أن يستغني القراء عن الجريدة، وعندما يكون هناك مواكبة تحليلية تدعم الحقائق من الأخبار، وهناك كتاب رأي على دراية عميقة بالأحداث التي يكتبون حولها بطريقة موضوعية تجذب القراء من جميع الطبقات هنا تستمر أهمية الصحف.

المعلومة أو الخبر إذا تم نشره في الصحيفة فهو صادر من جهة معلومة لها اعتبارها كجهة معروفة للأخبار، يكون لها تميز بالشكل والمضمون، وهي بدن إداري خبري يتحمل قانونياً ما يصدر عنه، ويتم إدارتها من قبل جهات متنوعة محترفة، من إدارة تحرير، ومحرري أقسام وكتاب متخصصين بالرياضة، والفن، والسياسة، والاقتصاد، وكما تضع إحدى الجرائد العالمية في صفحة غلافها دائما عبارة بما معنى «نحن نطبع ما يستحق النشر».

كذلك من شروط صمود الصحافة في عالم شبكة العنكبوت هو أن تقوم الصحف العريقة بعملية توأمة أو حتى دمج بين الأقسام الخبرية الصحافية المهنية التقليدية فيها وبين العاملين فيها المتخصصين في التكنولوجيا الحديثة، وذلك بشكل يكون الصحافي المهني متفهماً للجانب التكنولوجي حتى يستفيد من نشر ما تحتويه الصحيفة على أكبر شريحة من القراء، كذلك على العاملين في مجال التكنولوجيا في الصحف أن يكونوا على علم ودراية وفهم لمهنة الصحافة، حينها تستمر الصحيفة كركيزة مهمة للأخبار والتأثير على الرأي العام بشكل موضوعي كما كانت في كل العقود السابقة، بل قد يزيد ذلك من انتشارها وزيادة تأثيرها. وهنا يمكن التأكيد بالقول بأن الصحافة لم تنته ما دام مداد القلم باق.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي