قيم ومبادئ

ماذا بعد الشُهرة؟

تصغير
تكبير

كثيرٌ من الناس يُخطئ في الفرق بين التواضع وعلو الهمة وبين الكِبر والنرجسية فيحسبون الدنيء متواضعاً ويُسّمون الرجل المترفّع عن الدنيا والسفاسف متكبّراً؟

فالرجل إذا يلقاك مبتسماً متهللاً ويُقبل عليك بوجهه مستمعاً إذا حدثته ويزورك مهنئاً ومعزياً ليس صغير النفس كما يظنون بل هو عظيم في أخلاقه ونفسه الزكية... وإذا رأيت المشهور ينكس رأسه للكبراء ويترامى بين أيديهم وتحت أقدامهم لثماً وتقبيلاً... ويتبذّل بملاحقة الدواوين مخالطاً للسوقة والغوغاء بلا سبب ولا ضرورة... ويجلس على مدارج الطرق جلسة المتسوّل البائس ليسترق السمع والبصر ويمشي مشية الخائف المُبلس فاعلم أنه صغير النفس ساقط المروءة... والكِبر يُزري بصاحبه ويدعوه إلى التنطّع وسوء العشرة.

فكم عملت السياسة والإعلام عملها في المشاهير والنخبة فهي (خافضة رافعة) رفعت أعلاماً وخفضت رؤوساً... فيا أيها الراحل المودّع للشهرة كان ارتفاعك عظيماً... فوجب أن يكون سقوطك عظيماً... فقد ذقت حلاوة الكرسي والنجومية... فلا تأس على ما فاتك فإنما كان وديعة من ودائع الدهر الكثيرة أعارها لك برهة من الزمان ثم استردها... فإنك لا تدري لعل الله أراد بك خيراً فمنحك قبل حلول أجلك فرصة من الوقت - في السجن أو المهجر - لتخلو فيها بنفسك وتراجع فهرسك فإن رأيت خيراً فاحمد الله أو شراً تداركت حالك... فقد قضى الله أن يقيم في كل لحظة لهذه البشرية اللاهية الراقدة عبرةً من العِبر تزعجها من طوال رقدتها وتوقظها من موات غفلتها فكنت أنت عِبرة هذا الدهر وموعظة.

وتذكر أين الإعلام والصحافة التي كانت تخفِقُ في شُرفاتك وتصدِّر تصريحاتك؟ وأين الجماهير التي كانت تلثم ترابك؟ والأفواه التي كانت تعقّبُ على كلامك؟ (كفو – كفو)؟ بل أين الرؤوس التي كانت تطرق لهيبتك؟ والقلوب التي كانت تخفق لروعتك؟ والأبواب التي تُفتح لحضرتك؟ بل أين الصوت الذي كان يجلجل فيقرع آذان الغمام ويهدِر فتتلقفه وسائل التواصل؟ بل أين الفَلَكْ الذي كان يدور منادياً بالمحاكمة وضبط الميزانية والرفع والخفض والإبرام والنقض؟ كيف استطاع الدهر أن يُبدّد شملك ويفرّق جمعك؟ أين ذهبت حدودك وأسوارك وحُجّابك؟ وكيف عجزت أن تمنع عنك القضاء وتصد عن نفسك عادية البلاء؟

وإذا صلح القلب صلحت الجوارح وإذا فسد القلب فسدت الجوارح.

واللسان يُصدّق ذلك أو يُكذّبه!

فهل أدركت الآن ضريبة الأضواء والشهرة؟

وهي فاتورة عالية!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي