صندوق التنمية... آن الأوان!

تصغير
تكبير

أنشأت الكويت الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية ووسّعت نطاق عمله لاحقاً ليشمل الدول النامية غير العربية. وإذا كان تأسس في نهاية العام 1961 فإنه ومُبادرات أخرى تنموية وإنسانية في ذلك الوقت أعطيا قيمة إضافية لدور الكويت ورسالتها وجسّدا الأهداف النبيلة لهذه المشاريع في ذلك الوقت... أُكرّر، في ذلك الوقت.

كانت الكويت تتحوّل وتَتَشَكّل بصورتها الحديثة مع مُناسبة الاستقلال، وكان عدد السكان قليلاً والخير يتراكم والمداخيل تتعاظم والمُوازنات تنعم بفوائض مالية ضخمة. وفي 1974، وفي عزّ الفُوّرة النفطية، تمت أيضاً زيادة رأس مال الصندوق خمسة أضعاف لتغطية حاجات دول كثيرة، وفي مطلع الثمانينيات تضاعف من مليار دينار إلى مليارين... ثم استمر العمل والدعم والإقراض بمبالغ لا تتّسع هذه المقالة لحصرها حتى يومنا هذا.

من دون الدخول في طبيعة عمل الصندوق والجهات المُستفيدة ونوع التقديمات والمُساعدات وعدد الدول المُتعثّرة عن السداد. ومن العقل قبل العاطفة، واستناداً إلى مصلحة الكويت أوّلاً وأخيراً، أقول أغلقوا هذا الصندوق ووجّهوا ملياراته إلى الداخل الكويتي ووظّفوا الخبرات العلمية والعملية لعدد كبير من مُوظّفيه في مشاريع التنمية الحالية والمُقبلة.

بكل بساطة...

الصندوق لعب دوراً نبيلاً في دعم مشاريع التنمية في بعض الدول، وكان الوضع الاقتصادي الكويتي الداخلي يملك من القوة النسبية ما يُؤهّله لذلك، وما حصل – وهذا ليس سراً – أن عدداً من الدول التي استفادت من الصندوق كانت منظومة الفساد فيها تبتلع أيّ دعم وأيّ مُساعدة، وبالتالي تحوّل دور الصندوق في أحيانٍ كثيرة من إدارة المشاريع إلى ما يشبه «الجابي» الذي يُريد تحصيل مُستحقّاته ثم يُعرض عليه أن يستبدل القرض بحصة في هذه الشركة أو تلك المُؤسّسة، فيكسب «دفترياً» لكنه يغرق عملياً في دوامة صعب الخروج منها.

وعدا عن حجب الفساد في بعض الدول وصول الدعم للناس والمُستحقّين، هناك دول استفادت من الصندوق وتقدّمت خُطوات جيّدة على طريق التنمية وتطوّر وضعها، وصار بإمكانها أن تدير أمورها بقدراتها الذاتية. يكفي القول إن الصندوق يدعم دولاً الكهرباء فيها مُتوفّرة 24 ساعة في اليوم بلا انقطاع، مهما صار الضغط كبيراً على الأحمال، بينما الكويت عانت بشكل جدّي من أزمة كهرباء هذه السنة... وكمثال بسيط يمكن إيراده هنا، في ثمانينيات القرن الماضي موّل الصندوق مشروع بناء ميناء حديث لصيادي الأسماك في تونس بينما لا يوجد مثل هذا الميناء الحيوي عندنا حتى اليوم.

ولا حاجة طبعاً للقول إن الاقتصاد الكويتي العام 2024 غير الاقتصاد الكويتي العام 1961 سنة ولادة الصندوق، وغير الاقتصاد الكويتي العام 1974 سنة زيادة رأس مال الصندوق، وغير الاقتصاد الكويتي العام 1981 سنة مُضاعفة رأس مال الصندوق. الأرقام موجودة والجدل يدور عندنا حول تخفيض الدعوم وزيادة الرسوم وشكل الضريبة المُفترض تحصيلها وعجز المُوازنات... وهو الجدل – المرآة للواقع الذي نعيشه ويدفعنا إلى البحث عن تغطية المال الناقص وليس رفاهية المال الزائد.

قد يقول البعض إن الصندوق لعب دوراً سياسياً في أكبر محنة مرّت بها الكويت وهي الغزو العراقي العام 1990 عبر حشد أصوات الدول التي استفادت من الصندوق إلى جانب الحقّ الكويتي. كل صوتٍ أيّد الكويت مُقدّر ويفترض أنه انطلق من مبدأ دعم الحقّ لا من مبدأ ردّ الدعم المالي، كما أن هناك دولاً استفادت من خير الكويت ولم تقف آنذاك مع حقّها في التحرّر، والأهم – في الواقعية السياسية - أن من ساهم في عودة الكويت بعد الله سبحانه وتعالى هي منظومة الدول العظمى ومنظومة مجلس التعاون الخليجي.

وقد يكون مفيداً هنا التطرّق سريعاً إلى أن المُساعدات التنموية الضخمة للدول المُحتاجة انتقلت من النطاق الفردي إلى منظومة العمل الجماعي، بما يُوسّع دائرة الأهداف والمصالح. فمُساعدات الدول الصناعية السبع مثلاً أو «جي 20» أو الاتحاد الأوروبي أو مجلس التعاون الخليجي تتّسم بفاعلية أكبر من مساعدة هذه الدولة أو تلك بشكل منفرد.

الكويت في مرحلة جديدة من التقشّف وشدّ الأحزمة وإلغاء هيئات ومجالس ودمج أخرى، لذلك مثلما تم إلغاء جهاز الأمن الوطني والمجلس الأعلى للمُحافظات، يمكن أن يُلغى الصندوق الكويتي للتنمية ويتحوّل إلى إدارة في وزارة الخارجية تُخصّص لها مُوازنة محدودة، وتتغيّر طبيعة عمله من دعم الدول إلى دعم الناس مُباشرة عبر التنسيق مع الهلال الأحمر مثلاً، وجمعيات خيرية موثوق بها ولها باع طويل في العمل الخارجي، لإدارة مشاريع تنموية يستفيد منها المُستحق مُباشرة بعيداً من تقلّب الأنظمة وانهيار منظومات اقتصادية ومصرفية. وهنا عندما تدير وزارة الخارجية مباشرة هذه المشاريع عبر الصندوق، فإنها تضبط أيضاً العمل الخيري وليس تُشرف عليه فقط وما رافقه من مُلاحظات، وتصبح هي المسؤولة عبر بعثاتها في الخارج عن المُتابعة والتدقيق، وتُقدّم للعالم نموذجاً مُتحضّراً عن كيفية إيصال مُساعدات للمُستحقّين مباشرة نيابة عن أهل الكويت.

في هذه الحالة، مليارات الصندوق تعود إلى الكويت، وكفاءات الصندوق البشرية يُستفاد منها في مشاريع الكويت التنموية، وأيادي الكويت البيضاء تستمر في العطاء إنّما... في الاتجاه الأصحّ.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي