كثيراً ما نسمع ذلك الدعاء، وهو بأن يوفقك الله بالبطانة الصالحة... والحقيقة أن البطانة هي التي أنت تختارها.
والمفهوم الحديث لها هو إذا كنت في شركة، سواء شركتك الخاصة أو شركة مساهمة، العاملون هم بطانتك الذين تتعامل معهم يومياً. وإذا كنت في وزارة، فالوكلاء والمستشارون هم بطانتك.
والعرب يذكرون بأن البطانة هي الخاصة بأمر الشخص وأصحابه الذين يُستشارون في شؤونه، لكن أرى أن مفهومها الحديث أوسع من ذلك.
وأنا أبدأ في كتابة مقالي هذا، تذكرت دور البطانة من أوراق وروايات تاريخنا المحلي. وكما سمعت من كبار السن، الذين غادروا دُنيانا، رحمهم الله، أن الشيخ سالم المبارك، حاكم الكويت التاسع، رحمه الله، وصله كتاب من الخارج، وما كان منه إلا أن استدعى عدداً من رجالات الكويت وهم خاصته، وأخبرهم بمحتوى الكتاب وهل يُنفذ ما جاء به...
هنا راح يستمع للرأي... فقال البعض، لا مانع، بينما البقية رفضوا. وأخذ الشيخ برأي الرافضين، وأعرض عن رأي مَنْ وافق.
ويروي لي وجيه كويتي، أنه كان بعمر السادسة أو السابعة وكان في ديوان جده، وكان ضيف الديوان في ذلك المساء، الشيخ أحمد الجابر، رحمه الله، ودار حديث القوم في المجلس عن القضاء والمحاكم الشرعية، وكان هناك بعض النقد، فما كان من الشيخ أحمد الجابر، إلا أن رد بالقول المأثور «حطها براس عالم وكن سالم»، لكن أحد الحضور، وهو رجل كبير بالسن وحكيم، قال: «يا طويل العمر صح حطها براس عالم وكن سالم، لكن القاضي الفلاني والقاضي الفلاني بهما كذا وكذا»، وبعد أسبوعين وصلت الأخبار بأن الشيخ تقصّى ثم استبعد القاضيين من سلك القضاء.
وفي عهد الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، كان هناك مشروع حيوي، وهو مد أنبوب ماء حلو من العراق إلى الكويت، ليحل مشكلة نقص المياه بعد تزايد عدد السكان، وهنا الشيخ رأى أن يستشير القوم، حيث تمت دعوة 60 شخصية من كبار أهل الكويت في ديسمبر 1955، وعلى رأسهم الشيخ يوسف بن عيسى ، وكان الاجتماع في مدرسة صلاح الدين، وفي نهاية الاجتماع أجمع الكل على رفض المشروع بنصيحة تتعلق بمدى استمرار حُسن العلاقات بين البلدين، وأخذ الشيخ برأي أهل الكويت.
وأذكر قبل أكثر من عشر سنوات، كنت في مدينة خليجية، كانت إمارة في يوم ما، وروى لنا شخص عن حادثة قديمة، وهي أن أمير تلك المدينة، اجتمع مع بطانته وقد كان هناك حصار على الإمارة، واستشارهم في أمر، هل يقبلون طلب الانكليز بمساعدته أم يستمر بالتعاون مع الدولة العثمانية...
هنا راح يستمع للآراء، وكان من بين الحضور شابان، أحدهما درس في القاهرة والآخر عاش في الأستانة ودرس بها، والبقية من المتزمتين الذين لم يغادروا الإمارة ولا يعرفون ما يحدث خارجها، وكان رأي المتزمتين أن لا تعاون إلا مع الأتراك المسلمين، أما الشابان فقد كان الرأي هو يُفترض للمصلحة أن يكون هناك تعاون مع الانكليز على مبدأ «حط ايدك مع القوي تكون قوي».
لكن الأمير أخذ برأي شيوخ الدين، وبعدها سقطت الإمارة وسقطت الإمبراطورية العثمانية.
وفي هذا السياق نُكمل في مقال آخر، الحديث عن أهم قصيدة قِيلت في الشعر الشعبي الكويتي، وقِيلت في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، وأُطلق عليها قصيدة «النصيحة» للشاعر الكويتي الكبير زيد الحرب، رحمه الله.