بعد مرور أكثر من 100 يوم على عمرها، كثرت الانتقادات على الحكومة؛ وذلك من حيث: استمرار تردي الخدمات في البنية التحتية، وانقطاع التيار الكهربائي عن بعض المناطق، وتنامي وتفاقم الأسعار للسلع والخدمات، وغير ذلك من سلبياتٍ قد ارتسمت على مشهد الشارع الكويتي خلال الفترة الماضية.
لست بصدد التبرير للحكومة، ولكن لنسأل أنفسنا سؤالاً صريحاً... هل تكفي مدة زمنية قوامها 100 يوم للحكم على أداء أي حكومة، خصوصاً إذا كانت تحمل على ظهرها، تركة تواضع الأداء لسلطات تشريعية وتنفيذية سابقة؟
إذا قلنا: نعم تتحمل! فإننا بالتأكيد نكون ظالمين؛ وإذا قلنا: لا؛ فنحن إذاً نتفق على أنها مظلومة!
إذاً كيف يكون لنا، كشعبٍ، الحكم على الحكومة الحالية؟
دعونا أولاً نراجع ما قام به وزراء هذه الحكومة منذ مجيئهم، هذا إذا أردنا أن نصل إلى نتيجة عادلة؛ وأن نكوَّن قناعة وطنية صادقة للنقد البنّاء.
أستطيع القول ومن دون مجاملة إنّ الظاهر على الساحة ثلاثة وزراء، مع احترامي للبقية.
الوزير الأول هو وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف، الذي يتحرك بشكل سريع ومتعدد الوجهات الميدانية ويواجه الإعلام بجرأة وصراحة، واستطاع أن يُحقق انجازات سريعة على صعيد الانضباط المهني والرقابة والمتابعة.
الوزيرة الدكتورة أمثال الحويلة، التي حاول البعض استهدافها منذ اليوم الأول من عملها لأسباب تتعلق بسيطرة الكارتيل في الوزارة؛ خصوصاً في قطاعي الإعاقة والتعاونيات، هي أيضاً تتخذ قرارات حازمة وجريئة.
الدكتورة أمثال دخلت «وكر» هيئة الإعاقة؛ ونبشت ما فيه؛ وهذا بطبيعته إنجاز لم يَجْرُؤ عليه أحد من قبلها؛ ومَنْ فَعَلَ ذلك سُلّط عليه سيف الاستجواب.
والدكتورة أمثال أيضاً دخلت إلى الغرف المظلمة للتبرعات في بعض الهيئات التي تسمي نفسها خيرية، وفعلت ذلك بالتعاونيات، ولا شك أن لهذا الحضور ثمناً تدفعه من البعض المتضرر.
الوزيرة الدكتورة نورة المشعان أيضاً لها حضور، وإن كان مكبلاً بأثقال البلدية والأشغال، وما أدراك ما البلدية والأشغال، ولكنها تحاول أن تثب على مستنقعات الفساد المترامية، ولا شك أنها سوف تكبو مرة أو مرات، ولكنها إذا استمرت فستكون في ممر النجاح.
لا أودّ أن أبخس الوزراء الآخرين أشياءهم، ولكن اعتقد بأن لديهم الفرصة بأن يخرجوا من قمقم الصمت إلى المواجهة، ومن حدود المكتب إلى الميدان، كما فعل زملاؤهم؛
لذلك أعتقد بأننا يجب أن ننصف هؤلاء الوزراء؛ وذلك من حيث: إنهم يتحملون إرثاً ثقيلاً؛ لا تمكن معالجته في 100 يوم، بل هم بحاجة إلى 1000 يوم.
من جهة ثانية، وبعدما حاولنا أن ننصف الحكومة من ظلم البعض لها، أعتقد بأن الحكومة هي واقعة تحت ظلم النفس! نعم هي ظالمة لنفسها!
الحكومة تحت يدها مقدرات مالية وبشرية ضخمة وطاقات شبابية متميزة وبحاجة أن تحدث ثورة إدارية لإعادة تدويرها.
المقصود: أنّ الاعتبارات والمعادلات الاجتماعية والسياسية التي كانت تتعامل معها الحكومة كمدخلات لقراراتها، يتعين أن يُعاد التفكير بها.
فمن المهم التحرر من فكرة الضغط الاجتماعي والسياسي من القرار الإداري والفني.
إن غياب مجلس الأمة في هذه الفترة لربما يزيل بعض هواجس واعتبارات الضغط السياسي في التعيينات والقرارات، ولكن يتعين أيضاً التحرر من «عقلية السوابق»، التي كرّستها تلك الممارسات؛ فجعلتها كمحددات أو مقبولات أو بدهيات.
وما يجعل الحكومة ظالمة لنفسها، هو عندما تضع قيوداً اجتماعية على معصم يدها؛ مثل: «هذا ولدنا أو هذا فصله وأصله»؛ واعتبار ذلك القيد الذي على معصمها كأداةِ تجميلٍ بيد أنّه وسيلة تكبيل.
إن الكفاءة والمهارة وقياس الأداء والإنجاز، هي المعايير التي يجب أن تُحدِّد مَنْ هو جديرٌ بالمنصب، لكونه مجرد وظيفة فنية مهمة في «مكينة» الحكومة؛ وهذه المكينة الحكومية بحاجة إلى مفاصل جديدة تؤدي الخدمة المطلوب منها؛ وليس التجمّل بها؛ لذلك: عليها أن تختار مَنْ يستطيع القيام بالمهمة بغض النظر عن بعض الاعتبارات المجتمعية أو المعايير الشخصانية التي لا تمت للمؤسساتية بصلة.
إن تجارب الدول التي خرجت من أزمة تدهور تنميتها مثل: سنغافورة، ماليزيا، كوريا الجنوبية، تايوان، وأخيراً رواندا، اهتمت بالتنمية البشرية، التي عمادها: غرس ثقافة الجدارة والكفاءة والأداء، بعيداً عن اعتبارات إثنية أو دينية أو غيرها.
هكذا أصبحت حكومات منصفة لنفسها ومواطنيها. وما ينتظره الشعب الكويتي هو أداء مؤسسي صحي يبحث عن الأكفَّاء فقط؛ وفق نظام حوكميٍّ شفاف.
وحتى تكون الصورة واضحة بهذا المثال الواقعي، إذا حصل لأحدكم، وزيراً كان أم مواطناً، عارضٌ طبيٌّ - بعيد عنكم الشر - فهل ستذهب إلى طبيب متميز وكفاءة، أم تبحث في أصله وفصله ودينه ومذهبه؟
أدعو لأن يسأل كل منا هذا السؤال لنفسه، فإن ذهب للطبيب الكفؤ فهو أنصف نفسه، وإن ذهب للطبيب السيئ أو غير المتخصص أو من ذوي الشهادات المضروبة، لأنه متقارب له بالأصل والفصل والمذهب، فهو بذلك ظالم لنفسه...
فلا تظلموا أنفسكم وتظلموا الدولة، فالكويت حبيبة.