كنت في أحد الدواوين، ودار حديث عن مستقبل التكنولوجيا وأهمية الأمن السيبراني، فقال أحد الحضور إنه حالياً يدرس الدكتوراة في المملكة المتحدة تخصص Fintech «الفنتك».
وهذا التخصص يدمج ما بين التكنولوجيا الحديثة في الخدمات المالية، مثل تطبيقات الهواتف الحديثة بهدف تحسين شكل التمويل التقليدي للشركات والمؤسسات، وتطبيقات الدفع المباشر عن طريق الهاتف المحمول، وكذلك من الممكن ابتكار أفكار لتعامل الأفراد من المشاريع والأعمال.
بمعنى آخر، أنه خلال سنوات قليلة جداً وعلى المدى المتوسط، سيقل الطلب على شكل التمويل الحالي، إلى ابتكار عملات قد تكون رقمية جديدة، وهذا يعني قلة الاعتماد على البنوك إلا في المعاملات الكبيرة. مثل التمويل العقاري والرهن. أما المعاملات الثانية من سحب وايداع فلن نكون بحاجة للذهاب إلى البنك.
إذن نحن أمام تحولات كبيرة مقبلة وبقوة تحتاج من كل فرد أن يكون واعياً، ويوعّي معه أفراد أسرته نحو تخصصات المستقبل لأن شكل الوظائف سيكون مختلفاً.
في السابق، كان الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، ثم تحول بعد الألفية للذي لا يجيد استخدام الكمبيوتر والبرامج التي تحتويها الأجهزة... ولكن في قادم الأيام سيكون الأمي هو الذي لا يعرف التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي ويفهم لغة البرمجة.
في المستقبل القريب ستختفي وظائف كثيرة، ولكن ستبرز احتياجات ووظائف أكثر، ولكن التفاضل سيكون على حسب المهارة، فلابد من الاستعداد الجيد لهذه المرحلة القريبة.
وكل الأعمال تقريباً سيؤثر عليها الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر، حتى في الطب والاقتصاد والقانون والنشر والتوزيع، لذلك الذي سيكون جاهزاً لهذه المرحلة لن تكون لديه أي مشكلة.
والدول التي مازالت غير جاهزة لاستخدام التكنولوجيا ستشعر وكأنها لا تعيش على هذا الكوكب.
نحن أمام تحديات لن تصمد أمامها أكبر جيوش العالم، إنها جيوش العلم والتقدم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. إن لم نستعد جيداً لهذا التغيير ونكون على قدر من المسؤولية ونعيش في حدود الزمن، ونترك التفكير والعيش في الماضي وصراعاته، ونتوقف من البحث عن البطولات الزائفة أو المقولات التي تؤيد كلامنا لكي نلغي الآخر الذي يشبهنا إلى حد التطابق... فمصيرنا سيكون التقاعد المبكر والعيش على هامش الحياة. وهناك دول كثيرة في العالم العربي ستتقاعد مبكراً وهناك مؤشرات ومجسّات تبيّن هذه الحقيقة، ولعل من أهمها هو الفشل الاقتصادي وإيجاد العيش الكريم وتوفير رغيف الخبز، ونشر ثقافة الكراهية والقتل على الهوية وعدم احترام حقوق وآدمية الإنسان.
كم هو محزن أن نتحدث عن الماضي ونحن عاجزون عن فعل أي شيء للمستقبل، نعشق العيش خارج حدود الزمن.
وصدق المرحوم غازي القصيبي عندما قال «أنا لا أملك إحصائيات ولكني مستعد للمراهنة على أن كتب المستقبل لا تصل إلى واحد في المئة من كتب الماضي: الذكريات، المذكرات، والسير الذاتية، وكتب التاريخ، وكتب البكاء على الأطلال... إلى آخر القائمة».
والأمر لا يقتصر على الشيوخ أمثالي، سواء جاءت شيخوختهم مبكرة أو متأخرة، حتى الأطفال الصغار يتحدثون عما كان «يوم كانوا صغاراً»... هذا شيء يدعو إلى الحيرة: أن يتحدث طفل الثامنة عن «ذكرياته» ويرفض الحديث عن السنة الدراسية المقبلة.
نحن بلد صغير الحجم، ولديه موقع إستراتيجي رائع يستطيع أن يكون في مصافي الدول الناجحة، لدينا شباب متعلم، وبنية تحتية من الرقابة المالية مثل ديوان المحاسبة وجهاز المراقبين الماليين و«الفتوى والتشريع» والكثير من الإيجابيات...
وفي الوقت ذاته لدينا شوارع لا تصلح للاستخدام، وتعليم متواضع حيث العطل الكثيرة وقلة الأيام التي يذهب بها الطلبة للمدارس وتسريب الاختبارات، لذلك تجد أبناء المسؤولين في المدارس الخاصة! وعندما يمرض أحد الأفراد، لا قدر الله، فإن التفكير في الحال بالعلاج في الخارج.
ما الذي يجري ولمصلحة من؟ والواحد منّا بدأ يشعر بالغربة نتيجة ما يحدث حوله، لذلك لابد من نفضة إدارية جادة تعيد الأمور لنصابها الصحيح ... وشباب الكويت فيهم الخير والبركة.