حروف نيرة

كل ذي عاهة جبّار

تصغير
تكبير

الإنسان إذا حُرم من شيء يُعوّض بشيء آخر، حتى أن الناس قالوا في المثل القديم: «كل ذي عاهة جبار»؛ فالجبار من يتغلب على عاهته العضوية ويكون قوياً مع نفسه يشجعها لكسب الأكثر مما فقدت، وهي ميزة أعطاها الله تعالى لكل ذي عاهة، فيواصل حياته كالأصحاء، وقد يتفوق على بعضهم، فأصحاب العاهات عظماء جبابرة على أنفسهم، وهو واقع نراه، ويعني ذلك أنهم يستطيعون إنجاز كل شيء رغم إعاقتهم.

العظماء لا يقارنون بأحد، عملوا المعجزات بقوة إيمانهم مع الثقة بالنفس والسعي الذي رفع قدرتهم الجسدية، رغم ظهورهم بصورة عاجزة عن القوة والإنجاز.

والحياة تشهد أمثلة كثيرة من عظماء وعباقرة عوّضوا ما خسروا، منهم: أبو العلاء المعري، الذي لم يمنعه العمى من أن يصبح مفكراً، وشاعراً، وعالماً في النحو واللغة العربية، وطه حسين الذي فقد بصره صغيراً، ولكنه تغلب على عاهته واشتهر في الأدب والنقد، ورسام مشهور وُلد بلا ذراعين؛ فرسم برجله أعظم اللوحات الفنية الرائعة؛ فإن عاهته لم تُعِقه من الإبداع، وأصبح أكثر من أتقن اللوحات الفنية، والعالِم لويس برايل صاحب طريقة برايل المسماة لمخترعها الكفيف الذي دفعته إعاقته ليخترع تلك الطريقة العبقرية التي تمكن المكفوفين من القراءة حيث تُكتب الحروف رموزاً بارزة على الورق؛ فكانت القراءة بفضل حاسة اللمس، وجراح كبير مصاب بشلل نصفي يستخدم الكرسي المتحرك؛ فلا يعيقه الشلل أو استخدام الكرسي عن عمله وإجراء العمليات للمرضى؛ فقد كانوا عظماء بفكرهم الإيجابي الذي جعلهم يبدعون في الفن والأدب والطب وكثير من العلوم... لا تستهن بذي العاهة الجسدية، فهم عباقرة فعلوا ما صعُب على بعض الأصحاء، حتى لو اكتملت كل الأعضاء وكل الحواس في الإنسان قد لا يصل إلى ما وصلوا إليه.

ويُقاس على ذلك، من صعب عليه استخدام البديل لعجز أغلب الحواس، ولكن لديه المقدرة على المشاركة المادية مع الأصحاء أو حواس الآخرين، في بناء المستشفيات أو المصانع مثلا، ودعمها بكل ما تحتاج من تجهيزات ورواتب لمن يعمل بها، وكذلك بإشرافه الفكري وتخطيطه الذهني، رغم عجزه الجسدي، فإن الفكر مقدمة العمل، ومع الرضا والثقة والقناعة يفعل المستحيل ويفيد البشرية كلها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي