كيف تضرّ الحرب الشرق أوسطية... الاقتصاد الغربي بالدرجة الأولى؟
مما لا شك فيه أن أي حربٍ إقليمية في الشرق الأوسط من شأنها أن تُحْدثَ تأثيراتٍ كبيرةَ وواسعة النطاق على مستويات عدة، اقتصادية وسياسية ومالية واجتماعية وعسكرية وبيئية.
وهذا يَضَع العالم أمام خيارات محدودة خصوصاً من ناحية التوجه نحو العملات الآمنة أو الرقمية إذا تأثرت المصارف وكذلك الاتصالات والتبادل التجاري الكلاسيكي المعني بتنظيم المعاملات الدولية. وهذا يؤكد أن الغرب هو أكثر المتضررين اقتصادياً - وليس الأوحد - من أي حرب شاملة في المنطقة.
ويُعتبر الشرق الأوسط مركزاً عالمياً رئيسياً لإنتاج النفط والغاز الطبيعي خصوصاً في منطقة الخليج وغرب آسيا.
وأكثر ما يخشاه العالم هو التهديد بتعطيل تَدَفُّق مصادر الطاقة في مناطق الاختناق الحَرِجة مثل البحر الأحمر ومضيق هرمز أو قناة السويس أو باب المندب، ما سيؤدي إلى ارتفاعٍ حاد في أسعار الطاقة عالمياً ويؤثر على الاقتصادات خصوصاً الغربية - الأوروبية التي تعتمد على استمرار التدفق لتغذية الصناعات والحفاظ على أمن الطاقة.
وهذا من شأنه زيادة تكاليف النقل وفواتير الطاقة للمستهلكين والتسبب بركود اقتصادي عالمي حاد.
إضافة إلى ذلك، فإن أسواق الأسهم العالمية ستشهد عدم استقرار في ظل حالة عدم اليقين خصوصاً بسبب تأخير التجارة العالمية التي تعتمد على نماذج التسليم في أوقات محددة مثل شركات التكنولوجيا والسيارات والصناعات المتعددة، وتحديداً تلك التي تعتمد على المواد الخام والإلكترونيات التي تمر عبر دول الشرق الأوسط أو تنشأ منها، مثلما حدث أثناء جائحة «كوفيد - 19».
وبالنسبة إلى التداعيات السياسية والإنسانية، فإن أي صراع في الشرق الأوسط سيؤدي إلى إحداث أزمةٍ إنسانية كبيرة داخلية، ولكن أيضاً خارجية مع فرار ملايين اللاجئين من مناطق الحرب، كما حدث أثناء حرب أفغانستان والعراق وسورية.
وهذا ما يؤدي إلى إجهاد الخدمات الاجتماعية وزيادة التوترات السياسية التي تدفع لصعود حركاتٍ قومية يمينية متطرّفة تعارض الهجرةً خصوصاً في القارة الأوروبية القريبة.
أما عسكرياً وسياسياً، فإن أي حربٍ تجذب أعداءَ وحلفاءَ وتستقطب تحالفاتٍ دولية أو غربية من الممكن أن تستدرج مشاركة عسكرية خارجية، خصوصاً في ظل الحرب الغربية مع روسيا، والاقتصادية ضد الصين، وتَواجُد عشرات القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، وهذا من شأنه زيادة الكلفة الاقتصادية والبشرية والموارد المالية.
وقد يدفع ذلك لزيادة أنشطة مُعارِضة أو «الذئاب المنفردة» ما يرفع مستوى التهديد إذا رغب المعارضون للحرب باستغلال الفوضى لتوسيع نفوذهم أو إذا اختاروا التعبير المسلّح داخل الغرب.
ويجب التحسُّب لحروب من نوع آخَر، مثل التهديد التكنولوجي والأمن السيبراني الذي يُستخدم من جهات حكومية (وغير حكومية) تَعتمد على البنية التحتية الرقمية، ما من شأنه أن يشلّ قطاعات حيوية مثل شبكات الطاقة والأنظمة المالية وشبكات الاتصالات وسكك الحديد ونظام تنظيم حركة الطيران المدني.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تعطيل سلاسل توريد التكنولوجيا الرئيسية ولا سيما بالنسبة للمواد الأرضية النادرة وأشباه المواصلات يمكن أن يؤثر على العديد من الصناعات التي تعتمد على الشرق الأوسط للحصول على بعض المواد الخام.
وعلى صعيد العواقب البيئية، يمكن أن يؤدي تدمير الأنابيب ومصافي ونقاط تخزين النفط - كما فعلت إسرائيل في ميناء الحديدة اليمني (بعدما كانت تدمر خزانات النفط في لبنان في حروبها السابقة) - إلى أضرار بيئية كبيرة بما في ذلك الانسكابات النفطية الهائلة والتلوث ما قد يساهم في تغيير المناخ ويؤثّر على الجهود الدولية للحد من انبعاثات الكربون.
وحتى العملات مرشّحةٌ لتلقي تشظيات أي حرب شرق أوسطية. فعند وقوع حروب كبرى، يلجأ المستثمرون للعملات التي تُعتبر ملاذاً آمناً، فيتصاعد الطلب على عملات رئيسية، مثل الفرنك السويسري (CHF) والين الياباني (JPY) وإلى عملات الدول المصدرة للنفط.
وقد تشهد دول مثل الهند وتركيا والبرازيل وغيرها ضعفاً في قيمة عملاتها، مثل اليورو الأوروبي الأكثر انكشافاً في أي صراع شرق أوسطي، حيث ستشهد هذه البلدان تضخمَ وتآكل قوة عملاتها الشرائية، تماماً مثل الدول النامية.
أما الصين فتسعى إلى تدويل عملتها والحد من الاعتماد على الدولار الأميركي، ما سيدفعها إلى تسوية المزيد من العملات باليوان خصوصاً في أسواق الطاقة حيث تتمتع بنفوذ كبير نظراً للكميات الضخمة التي تشتريها وتستهلكها، من دون أن يؤثر ذلك كثيراً في هيمنة الدولار الاميركي للأمد القريب.
ماذا عن العملات المشفرة؟ غالباً ما يدفع عدم اليقين الجيو - سياسي المستثمرين إلى التفكير في عملات بديلة لحماية أموالهم، ما قد يزيد الطلب على أصول غير مرتبطة بشكل مباشر بالعملات الحكومية أو البنوك المركزية، ومن الممكن أن تلعب دوراً فريداً في المشهد المالي العالمي.
فعلى غرار الأصول الآمنة التقليدية مثل الذهب والفرنك السويسري، قد يجذب البيتكوين المعروف بـ «الذهب الرقمي» أولئك الذين يسعون لأخذ الاحتياط اللازم ضد مخاطر الأنظمة المالية الأخرى، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.
إلا أن هذه العملة الرقمية متقلّبة بشكل سيئ السمعة، وتالياً قد يتسبّب التهافتُ عليها بطفرة أو بكساد مفاجئ بسبب التضارب.
ومما لا شك فيه أن أصحاب المال سيحاولون تجاوز الأنظمة المصرفية المحلية التقليدية في دولٍ تُفرض عليها عقوبات دولية أو تُفرض فيها قيود مصرفية على التحويلات التقليدية الصعبة أو المستحيلة في أيام الحرب. وقد تقدّم منصات التمويل اللامركزي (DEFI) التي تعمل من دون وسطاء مركزيين خدمات مالية في مناطق الصراع لتوفّر خدمات الإقراض والاقتراض والتداول للمعزولين عن الخدمات المصرفية التقليدية.
إلا أن الاستخدامات الرقمية وغير التقليدية ترفع من التهديدات الأمنية السيبرانية والهجمات الإلكترونية لزعزعة الاستقرار والأنظمة المالية. وقد يستهدف المتسللون، البورصات لاستغلال نقاط الضعف أثناء فوضى الحرب. إلا أن دولاً مثل الصين طوّرت عملاتها وطرحت اليوان الرقمي لتعزيز العلاقات الاقتصادية وتجاوز العقوبات الغربية لدول تسعى إلى بدائل للدولار الأميركي، ما يعطي المستثمرين اطمئناناً نوعياً في أوقات الحرب أو لحفظ رأس المال.
وهذا ما لا يصبّ في مصلحة الغرب خصوصاً أميركا التي ترى هجرة أموال كبيرة بعيداً عن عملتها التي تعطيها القدرة على السيطرة على العالم.
إذاً، فإن أي حرب إقليمية لا تصبّ في مصلحة الغرب في الدرجة الأولى لأنه سيتخلّى عن رفاهيته وينضمّ للدول النامية التي تعوّدت التقشف أيام الحروب. وهذا من شأنه تقليل احتمالات الحرب الكبرى الشرق أوسطية عدا عن عدم القدرة على احتواء أبعادها ولا وقفها في التوقيت الملائم.