اقرأ ما يلي...

ما تبقى من حياة

تصغير
تكبير

في يوم، ذهبت لإحدى المراجعات ومع ارتفاع درجات الحرارة كان مزاجي لا يسمح بأن أكون إيجابية... جلست بانتظار دوري وكان عدد المراجعين كثيراً مقارنة بالموظفين والمكاتب الفارغة، فبدأت أتساءل بيني وبين نفسي، متى سننتهي إن كانت المراجعة الواحدة تتطلب وقتاً طويلاً لإجرائها؟

كانت هناك شاشة تلفاز كبيرة وُضعت للمراجعين أثناء انتظارهم... كنت أتابع إحدى القنوات الإخبارية التي تعرض الوضع الحالي لإحدى البلدات في قطاع غزة.

وسرعان ما تفحصت عيني كل تفصيل مصور في الشاشة، كان هناك أناس يسيرون في شارع باتجاه واحد، كل واحد فيهم يسير وحده، أعمارهم مختلفة، ملابسهم رثّة وهم شاحبون، لا توجد تعابير فرح أو حزن، ويبدو أن أذهانهم قد فارقت جسدهم المتحرك بضعف وبطئ، وخلفهم أرى مباني دُمرت بالكامل، والجو ملوث بالأتربة.

لم أكن أنصت للتقرير، فالصورة وحدها تشرح حجم المعاناة. في الشارع نفسه وقفت مجموعة من الناس تبيع قطعاً من الخام، وما تبقى من فاكهة وطعام.

تقف أمامها مجموعة من الناس كي تشتري، ولايزال بعضهم يسير في الشارع نفسه.

ويبدو واضحاً جداً أن لا مكان يقصدونه فهم يسيرون فقط لمكان غير موجود. تفحصت وجوههم الخالية من التعابير، فسألت نفسي: كم عدد الضحايا من أسرتهم؟ وما هي خسائرهم المادية؟ ومن تبقى لهم؟

سرعان ما عاتبت نفسي... فما أتفه همّي مقارنة بما يعانيه هؤلاء، إن الحياة أثناء الحروب قاسية وما بعد الحرب أقوى وأقسى.

رأيت صورة لفلسطينية تعاني من اليرقان، فأصبحت عيناها شديدة الاصفرار... الأدوية غير متوفرة لمنع الاحتلال دخول المؤن والعلاجات للمرضى.

تساءلت وأنا مازلت أتابع التلفاز، هل استطاعوا دفن جميع جثث الشهداء؟ لقد تبقى العدد القليل في المنطقة التي تم قصفها منذ أكتوبر الماضي، بينما تقترب الحرب من عامها الأول.

مات الكثيرون وتبقى القليل، الذين يحاولون التعايش لما تبقى لهم من وقت بعد فقدان كل عزيز وقريب لهم.

كانت جملة «كي لا نعتاد المشهد» صادقة، فقد اعتاد الناس هذه الحرب، وهي الأقسى بين مشاجرات دولية مستمرة مليئة بالتهديدات.

لا بأس ،لابد من أن يعيش كل شخص حياته، لكن الأهم هو أن نملك ضميراً يشعر بآلام الآخرين ومعاناتهم ونصرة قضيتهم لو بالكلمة أو الرسمة أو الشعور.

تؤلمني سخرية البعض من تلك القضية، إنهم لا يخشون دائرة الأيام، وبأن كل من عانى في العالم كان في يوم من الأيام، آمناً مطمئناً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي