المقاومة الفلسطينية تتحدى نتنياهو... وإيران لا تربط ضربتها بالمفاوضات
بينما ينتظر الشرق الأوسط الرد الصاروخي الإيراني وكذلك الرد من بقية الحلفاء من اليمن حتى لبنان، تحاول الولايات المتحدة إلهاء هذه الجبهة بتهدئتها عبر الترهيب والترغيب. فتُحْضِر الأساطيل والقوات البحرية والجوية والبرية وتَجمع حلفاءها وتسوّق لمحادثاتِ وقف النار في الوقت عينه أملاً بتجاوب إسرائيل مع محاولاتٍ دولية لمنْع امتداد الحرب وتوسُّعها لما تتسبب به من كوارث اقتصادية وعسكرية.
إلا أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يتفق مع الرئيس جو بايدن على نفس الأهداف والرؤية. ولذلك فهو متّهَم من الداخل الإسرائيلي بالمراوغة ونسْف المفاوضات قبل حدوثها اليوم، بينما تَعتبر المقاومة الفلسطينية أنها مازالت في حيويتها وقوتها وتتحدى سياسياً وعسكرياً جيش الاحتلال ورئيس وزرائه الذي لن يستطيع هزيمتها ولا درء رد الفعل الإيراني عليه مهما كلف الأمر.
ومجرد تعيين يحيى السنوار، كخلَف لإسماعيل هنية في قيادة المكتب السياسي لحركة «حماس» هو تحدٍّ لإسرائيل يدلّ على استعداد المقاومة لمواصلة القتال ضد جيش الاحتلال.
ولم تنته الأمور بهذا التعيين، إذ ضربت المقاومة تل أبيب بصاروخين انطلقا من المناطق الجنوبية لغزة التي تحتلها وتنتشر فيها قوات الاحتلال، وذلك عشية بدء المفاوضات حول وقف النار والحرب.
وهذا في العلم العسكري يدلّ على إظهار القوة قبل المفاوضات وان أسلوب التفاوض بالنار الذي تتبعه إسرائيل من خلال «الدبلوماسية القذرة» - بقتل عشرات المدنيين الأبرياء العزل من خلال قصف مدارس الإيواء أو الخيم قبل التفاوض للضغط على المقاومة وتقويض روحية القتال لديها - لم ينجح بل جُبه بالمبادرة إلى قصف ما يُعرف بالعاصمة الاقتصادية الإسرائيلية.
إضافة إلى ذلك، أعلنت «حماس» أنها لا ترى جدوى للتفاوض لأنها وافقت على المقترح الإسرائيلي - الأميركي الذي أعلنه بايدن سابقاً ووافقت عليه ورفَضه نتنياهو. وهذا أيضاً دليل قوة المقاومة وصمودها.
إضافة إلى ذلك، قال وزير الدفاع يوآف غالانت أن «إسرائيل تعرقل المفاوضات» وان «النصر المطلق الذي يتغنى به نتنياهو هو مجرد هراء».
وهذا يعكس بقوة أن المقاومة فتحت البابَ لوقف القتْل الممنهَج للمدنيين ولكنها عسكرياً انتصرت على عدوها القوي في هذه الحرب، وان وزير الدفاع - وهو الضابط المخضرم - ينطق بلسان الجيش الذي فشل في تحقيق أهدافه المرسومة له.
ورغم أن هناك مَن يناقش في ان استشهاد وجرح 220000 فلسطيني خلال 10 أشهر وتدمير البنى التحتية والمباني والمنازل في غزة بعيد عن مفهوم الانتصار العسكري، إلا أن الربح والخسارة العسكرية تُحسب بإنهاء أو استسلام طرفٍ للآخَر وتفوُّق وسيادة الرابح وفرْض شروطه دون مفاوضة الخاسر.
ولغاية اليوم لم ترفع «حماس» الراية البيضاء وهي تتحدى نتنياهو الذي فشل بتقويض المقاومة ولم يجد أي طرف يَحكم مكانها في غزة بعد انتهاء الحرب ولا البديل الفلسطيني الذي يَخدم أهدافه في القطاع.
وقد أصبح أقصى طموح جيش الاحتلال هو الإعلان أنه وجّه ضربة لحماس لن تسمح لها بالعودة لسيناريو 7 أكتوبر لسنوات طويلة وانه سيحاول منْع دخول الأسلحة أو المواد التي تُصنع منها بعدما انتهت أحلام نتنياهو بالقضاء على «حماس».
إلا أن نتنياهو لا يستطيع الطلب من جيشه العودة إلى المنازل لأنه سيَلحق بهم او إلى السجن بسبب اتهامات تلاحقه في 3 قضايا فساد. وتالياً فإنه - بغياب البديل السياسي وعطلة الكنيست (البرلمان) لثلاثة أشهر - سيبقى متمسكاً بالوهم والتعلق بالاغتيالات التكتيكية لقادة المقاومة من دون تغيير مسار المعركة ما دام التيار الديني المتطرف يدعمه بإبقاء وطأة الحرب كما هي وقتل أكبر عدد من الفلسطينيين لدفع هؤلاء للمغادرة دون وجود بديل لهم.
وأصبح نتنياهو أكثر ثقة بنفسه من خلال وجود قوات الأطلسي إلى جانبه في الشرق الأوسط لتدافع عنه - نظراً لعدم قدرته على مواجهة جبهات متعددة - وإشغاله العالم بأمور بعيدة عن جرائمه في غزة.
وهو اكتسب ثقة سياسية داخلية أوسع بسبب ارتفاع نسبة داعمي حزبه الى المستوى الذي كان عليه قبل الحرب ليتغلّب على منافسه بني غانتس الذي كان يسبقه بأشواط بعد السابع من أكتوبر.
وهذا مبعث ارتياح لرئيس الوزراء الذي استطاع قلب الموازين سياسياً دون أن ينجح عسكرياً. ولهذا فإنه لا يستطيع إنهاء الحرب دون انتصارٍ يُعتبر إنجازاً له.
لكن الرد الإيراني الآتي لا محالة والذي لا يَخضع للترهيب والترغيب الدولي لم يُنفذ بعد لتَظهر نتائجه على الرأي العام الاسرائيلي الذي يعيش حال اضطراب وذعر منذ الاغتيالات التي قام بها نتنياهو في لبنان وإيران وضربه الحديدة في اليمن.
وأعلنت طهران وحلفاؤها أن مسار المفاوضات لا يتعلق بحق الرد. وتالياً فإنها مسألة وقت تعطيه ايران وحلفاؤها لتحضير خط الدفاع والردّ على الردّ إذا اختارت إسرائيل التصعيد.
والوقاع أن لا أحد من الأطراف المعنية بالحرب يعلّق على مسار المفاوضات بسبب معرفة المفاوضين المسبقة أن نتنياهو ينوي نسْفها ووضع العصي بالدواليب وتقليص وتحديد صلاحيات الوفد الإسرائيلي على نحو يخوله إنهاء المباحثات.
وليس خافياً أن نتنياهو يُدْخِل شروطاً جديدة أصبحت معروفة لدى إسرائيل والمقاومة الفلسطينية وحلف المقاومة ليمنع توقف الحرب وسقوط حكومته المتطرفة التي تطالبه بالمضي برحاها. وهو طلب مراقبة جيش الاحتلال الدقيقة لعودة النازحين إلى الشمال، ومعرفة مسبقة بأسماء الأسرى الإسرائيليين الأحياء قبل إكمال المفاوضات، وإبقاء السيطرة على ممري فيلادلفيا ونتساريم، والصلاحية المطلقة لتحديد مَن سيطلق سراحهم من الفلسطينيين المحكومين بالمؤبد ووجهتهم النهائية خارج مسقط رأسهم. وهذه مطالب جديدة تعطيه الفرصة لتمديد المفاوضات إلى ما لا نهاية واتهام حماس بعرقلتها.
ولهذه الأسباب لا مفرّ من استمرار إيران وحلفائها بقرار الردّ لأن ذلك يتعلق بسيادة الدولة وبمنع إسرائيل من تكرار أعمالها العدائية كما فعلت وتستمر وتتعاظم بفعلتها في هجماتها على سورية التي ابتعدتْ عن فرض توازن الردع بالقوة.
إلا أن إيران و«حزب الله» لا يستطيعان التغاضي عن إعادة قواعد الاشتباك إلى مسارها الطبيعي حتى ولو كان الرد من المحتمل أن يغيّر المعادلة ومحفوف بالاحتمالات المفتوحة على إما إعادة الأمور إلى نصابها السابق وإما اشتعال الجبهات بشكل أوسع متدحرج.