كلمة صدق

حتمية الحرب بين القوى الصاعدة والمهيمنة

تصغير
تكبير

في كتابه «حتمية الحرب بين القوى الصاعدة والقوى المهيمنة، هل تنجح الصين وأميركا من الإفلات من فخ ثيوسيديديز؟» أبدع غراهام أليسون، مدير مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بمدرسة كينيدي التابعة لجامعة هارفرد، في التحدث عن التحدّي في مواجهة حتمية الحرب بين القوى الصاعدة وتلك المهيمنة.

فقد تكلم الكاتب أليسون عن الطرق في تجنّب حتمية الحرب في ما يسمى «فخ ثيوسيديدز».

وثيوسيديديز مؤرخ يوناني قديم أشار إلى حتمية الحرب بين أثينا الصاعدة قبل 2500 سنة، واسبرطة القوة المهيمنة، حتى تم الصدام بينهما في الحرب البيلوبونيزية وما تبعها من دمار في اليونان.

استذكر أليسون في كتابه أمثلة كثيرة في الخمسة قرون الماضية بين قوى صاعدة وأخرى مهيمنة، من البرتغال وإسبانيا، وهابسبرغ والدولة العثمانية، وهولندا وإنكلترا، والولايات المتحدة وبريطانيا وأمثلة أخرى. معظم الأمثلة أدت إلى «فخ ثيوسيديديز» وحتمية الحرب، في بعض الحالات انكفأت بالتوافق مع القوى المهيمنة كما حصل مع بريطانيا العظمى أمام الولايات المتحدة الصاعدة... وفي حالات تمت هزيمة القوى الصاعدة مثل النازية في ألمانيا من قبل القوى المهيمنة المتمثلة في الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.

إذا تم النظر حالياً إلى الصورة الأكبر... إلى صورة الكرة الأرضية والخروج من تركيز الكاتب حول الصين الصاعدة والولايات المتحدة وحلفائها القوى المهيمنة، ومحاولات تجنب حتمية الحرب إن أمكن بينها، هناك تحديات أخرى تواجه الغرب المهيمن، من قبل روسيا هائلة المساحة والقوة النووية الجبارة.

ففي السابق استطاع الغرب المهيمن تحطيم الاتحاد السوفياتي الذي أسماه الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان «إمبراطورية الشر» من دون حرب. الآن تصعد روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي. مساحة روسيا رغم كبرها وقوتها وضخامتها، هي أقل أمام القوى الغربية بالمقارنة بالاتحاد السوفياتي مع حلف وارسو، لكن ما يميز روسيا هو تحررها من الشيوعية والاشتراكية، التي تقيّد حريات الإنسان وحتى معتقداته، في مقابل الليبرالية والرأسمالية الغربية المغرية للفطرة البشرية.

روسيا الآن محررة من نظرية الرأسمالية الليبرالية الغربية، ومن الشيوعية الاشتراكية، ومن النظام الشمولي وهي خارج هذه الأنظمة الثلاثة وهي تصير وفق «النظرية الرابعة» بوصف الفيلسوف الإكسندر دوغن، وهي نظرية مبنية على إدارة الحكم بما يناسب كل دولة بتحرر من النظريات الثلاث سالفة الذكر.

الآن الأنظار متوجهة إلى روسيا، وأوكرانيا، رأس حربة العالم الغربي أمام موسكو، وهناك الصراع المتفاقم في الشرق الأوسط، وهو صورة أخرى من صور حتمية الحرب و«فخ ثيوسيديديز».

فبعد مئة عام من «وعد بلفور» الذي بدأ فيه الغرب المهيمن تسليم فلسطين، مسلوبة الإرادة إلى الكيان المصطنع، قامت قوى صاعدة بعد تحررها من الاستعمار وعبر المد القومي، فاصطدمت مع القوى المهيمنة في طريقها لتحرير فلسطين، لكنها لم تنجح في اقتلاع ركيزة السيطرة الغربية - إسرائيل - من المنطقة العربية في فلسطين.

بعدها بفترة نهضت قوى جديدة لكن بغطاء أوسع طيفاً، فلسطيني وعربي وإسلامي وحتى عالمي ليناطح الهيمنة الغربية مرة أخرى في فلسطين وعليها.

هذه القوى الصاعدة الجديدة المجابهة للمشروع الغربي في فلسطين، هي قوى ليس متفق عليها ومعها وعلى منهجها المقاوم من قبل الجميع في المنطقة.

فالبعض يرفض أسلوبها في مجابهة الاحتلال واقتلاعه بالقوة، لكن هذه القوى تمثل وجهاً من صراع الإرادات بين القوى المهيمنة والقوى الصاعدة لتتحدى ذروة هيمنتها في فلسطين.

فما هو السيناريو القادم؟ وهل تقع هذه القوى في حتمية الحرب بين الصاعد الجديد والمهيمن القديم؟ وماذا ستكون النتائج؟ كل هذا هو ما يشد أنظار العالم هذه الأيام نحو فلسطين وما حولها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي