يلتقي الإنسان بأصناف عديدة من الناس في مجالس مختلفة، ومن الأمور المعتادة في هذه المجالس الحوار بين الطرفين، والحوار فن وله آداب.
المتحدث يختار الموضوعات المناسبة للمكان والحال والحضور؛ فلكل مقام مقال، الكلام في البيت يختلف عن الكلام في مكان العمل، ولكل إنسان ما يناسبه من حديث؛ فلا نتحدث مع الصديق كما نتحدث مع المسؤول، ولا الصغير كالكبير، ولا تخاطب المستمع إلا بما يناسب مستواه العقلي حتى يفهم ما تريد، فالعقول تتفاوت، وإذا كان الطرف الآخر سفيهاً أو محباً للمعارضة ومخالفة الطرف الآخر فاحرص على السكوت، ولا تناقشه في ما يقول، درّب نفسك على الاستماع، وفي جميع الأحوال لن يندم مَن قلّ حديثه.
من آداب الحوار الإصغاء والاستماع، حتى لو كنت تعرف ما يقوله أحد الحضور من معلومات أو أخبار فلا تقاطعه لتبين له أو لمن حولك أنك تعلم ذلك، قال الحسن البصري: «إذا جالست فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول».
موقف بسيط يحمل حِكمة عظيمة في قلة الكلام، كَتب رجلٌ لحكيم: لِمَ تبخل على الناس بالكلام؟ قال الحكيم: إنّ الخالق سبحانه وتعالى قد خَلق لك أذنين ولساناً واحداً لتسمع أكثر مما تقول؛ فلا تقل أكثر مما تسمع.
في حفظ اللسان واستقامته خير لصاحبه، قد يستخدمه الإنسان في الشر والأذى، والعاقل يحرص على اختيار الألفاظ المناسبة والكلمات الطيبة، ويتجنب الكلمات البعيدة عن البذاءة والاستهزاء، قال النبي الكريم: (المسلمُ من سلِم المسلمون من لسانِه ويدِه) فقُدّم اللسان على اليد؛ لأن ضرر اللسان وشرّه على الإنسان أكثر من ضرر اليد وبطشها؛ فاللسان يمكن أن يكون نافعاً يرفع شأن الإنسان، أو ضاراً فيلحق الضرر والسوء؛ فلا تنطق بكلمة إلا إذا كان كلامك خيراً من صمتك؛ ففي الصمت نفع وحكمة وإبداع، وقد يكون أكثر فائدة من الكلام، وقلة الكلام تمنحك طاقة قوية للتفكير بعمق والتركيز بعقلانية في حديثك، وكما قال الإمام علي بن أبي طالب:«إذا تم العقل نقص الكلام».
ومن وسائل الترويح عن النفس خلال المجالس والتجمعات الضحك والمزاح، إلا أن البعض يتوسع في المزاح والضحك وينسى ضوابطه؛ فكثرة الضحك والإفراط في المزاح والمداومة عليه تحط من القدر وتُسقط المهابة وتقلل من احترام الآخرين.
والدعابة ليست مع الجميع، فلكل إنسان مقام واعتبار، فلا تمزح مع الجاهل والسفيه الذي لو مازحته استخفّ بك وتعدى حدوده، وخفف المزاح مع من هو أعلى منك احتراماً له، ولا يعني ذلك أن تقلل من نفسك، أو تكون عابس الوجه، ويكفي أن تبقى بينكما ابتسامة، وازِن بين الاثنين، فالفرد يضع لكلامه ومجلسه زماماً، ولا يغفل عن حدود وآداب الحوار حتى لا تكثر زلاته.