الشهداء لا يموتون... بلعبة الدومينو!

تصغير
تكبير

يقول الله في محكم التنزيل: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» وهذه حقيقة تاريخية، حيث إن تاج الأبطال: هم الشهداء الذين اختاروا المواجهة بأزكى ما عندهم؛ وهي أنفسهم ودمهم وزهدوا الدنيا في سبيل الآخرة؛ لذلك هم أحياء عند ربهم يرزقون. ولكن بماذا يرزقون؟ هنا يكمن الحديث بما لا يمكن إدراكه لأن علم جواهره عند الله الواحد القهار الذي لا يعبد سواه.

حسب علمنا الزهيد، الشهيد يُرزق الجنة، الشهيد يُرزق الكرامة، الشهيد يُرزق العزة، الشهيد يُرزق الترحم عليه، الشهيد يُرزق السيرة العطرة والقدوة للأمة؛ ولذلك هو لا يموت مثلما يموت بقية الناس، بل يكون حياً في قلوب الناس ومدوناً بسجل التاريخ ومخلداً في ضمائر الأحرار، وشعلة نور للاستمرار في درب النضال ومقارعة الظلم؛ ليس هذا فحسب بل في حديث نبي هذه الأمّة عليه وآله الصلاة والسلام أنّ الشهداء في غزوة أحدٍ: (جعل الله تعالى أرواحهم في أجوافِ طيرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلَّقةٍ في ظلِّ العرش)، فلمّا وجدوا طِيبَ مأكلهم ومَشْرَبِهم... قالوا: (من يبْلِّغْ إخواننا أنّنا أحياءٌ في الجنّة نُرْزَق، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله تعالى: أنا أُبلِّغهم عنكم). فأنزل الله قوله تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ».

إنّ نظرية لعبة الدومينو التي يلعب بها الكيان الصهيوني: هي وليدة عصر الحرب الباردة، والتي قادت أميركا للدخول في حرب فيتنام، والتي في ما بعد مثلت لها كارثة لا يطويها تقادم الزمن. وبعد ذلك طورت وكالات الاستخبارات العالمية هذه النظرية لكي تضعها في قالب آخر يقوم على فكرة الاغتيالات لرموز الحركات النضالية والسياسية. ويبدو أن نتنياهو مقتنعاً بالتأثير المزدوج لهذه النظرية. فهو من جانبٍ، يستهدف التخلص من بعض القيادات الميدانية والحركية المناهضة للكيان الصهيوني والذي سيشكل مخرجاً إستراتيجياً من ورطته في الحرب الدائرة حالياً، ومن جانب آخر يود أن يوسع دائرة الحرب لكي يجبر حلفاءه للانتقال من الدور غير المباشر إلى الدخول بالحرب معه مباشرة.

الحقيقة التي تغيب عن الفكر الإستراتيجي الذي ينطلق منه الصهاينة الجدد والمعتقون: هي أن الشهيد يلد شهداء، ودمه لا يذهب هدراً، بل يروي أشجاراً أصلها ثابت وفرعها بالسماء.

إنّ إشكالية الفكر التعصبي الصهيوني: هي أنّه ينطلق من الكراهية والتعصب والعنصرية، وبالتالي فهو يرى بأن صراعه مع تيارات أو أشخاص سينتهي بفوزه إذا تخلص منهم!

إنّ هذا الفكر السادي والنرجسي الذي ورّط الولايات المتحدة في حرب فيتنام الدموية هو ذات الفكر الذي سيدمر الكيان الصهيوني.

إذا كانت عصابة نتنياهو تعتقد بأنها عبر إشاعة الرعب وقتل الأبرياء والمدنيين ثم اغتيال السياسيين الميدانيين والحركيين المناضلين، ستجعلهم يربحون؛ فذلك رجم في عالم أحلام اليقظة.

لقد اعتادت إسرائيل على الحروب القصيرة والمكثفة، ولكنها لم تتعود على الحرب الطويلة المتعرجة بين التصعيد والتهديد؛ لذلك فإن لجوءها للاغتيالات، وبهذه الصورة الأخيرة التي تمت في طهران حيث تم اغتيال شخصية في زيارة وضيافة رسمية، تحاول أن تسحب إيران لمواجهة مباشرة مفتوحة لكي يتم استدعاء الطرف الأميركي، ولربما حلف الناتو فيقل الضغط على نتنياهو.

إنّ تطبيق نظرية الدومينو من خلال التأثير المزدوج الرامي إلى إدخال أطراف جدد للمعركة، وفي الوقت نفسه التخلص من بعض مفاصل حركة المقاومة لإحداث خلخلة في القرارات الميدانية، لربما يمثل مخرجاً لمعضلة السجناء التي يعاني منها نتنياهو، لكنها حسب الواقع الراهن لن تنجح لسببين:

الأول، هو أن كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وإيران ليس لديهما الرغبة في المواجهة المباشرة.

والثاني، هو أن التصفية لأحد القيادات في فصائل محور المقاومة لن يترك فراغاً ميدانياً أو سياسياً، بل سيزيد من وتيرة الحمائية عند تلك التنظيمات، بل ويزداد تبرعمها لتشمل جموع أكثر من الناس.

إذاً، يمكن القول إن المعركة ستطول وتطول، ولن تتراجع نيرانها بفعل اغتيالات من هنا وهناك مثل ما كان في آخرها؛ حيث اغتيل المجاهد إسماعيل هنية، رحمه الله، حيث إن هؤلاء حيثما كانوا قد نذروا أنفسهم للجهاد في سبيل قضية تجارتها مع الله، وبالتأكيد ستكون تجارة رابحة وعدٌ من الله حق.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي