هل يحاول نتنياهو جرّ الجميع بمَن فيهم أميركا إلى معركة شاملة؟
بعد ضرب مرفأ الحديدة في اليمن، وجّهت إسرائيل صواريخها نحو بيروت وطهران، وضربتْ مواقع «الحشد الشعبي» في العراق واغتيل مستشار إيراني في دمشق.
مما لا شك فيه، أن هذا التصعيد الخطير يهدف لحشْر «محور المقاومة» في الزاوية. فإذا لم يردّ، ستزيد إسرائيل من ضرباتها واغتيالاتها وإزالة كل الخطوط الحمر. وإذا أتى الرد، فهل ستُستهدف مدن مثل حيفا أو تل أبيب ما سيتسبب بردّ على الردّ لتتدحرج الأمور نحو الحرب الشاملة؟
من الضروري مقاربة ما حدث على أساس أن هناك حرباً تدور رحاها على جبهات عدة.
وكما في كل الحروب، هناك خسارة وربح على الجبهات القتالية. وقد استطاع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو انتزاع «صورة النصر» باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية.
وهذا جلّ ما يبحث عنه ليقدّم نفسه كقائد يستطيع المحاربة على جبهات عدة وإيلام أعداء إسرائيل. وهو نجح في اصطياد الحاج محسن - فؤاد شكر، قائد الجبهة الذي يدير الحرب منذ 8 أكتوبر كمعاونٍ لرئيس المجلس الجهادي في «حزب الله» السيد حسن نصرالله، أثناء دخوله إلى منزلٍ يتردد إليه، ما يدل على مستوى استخباراتي رفيع وناجح.
إلا أن «حزب الله» و«حماس» سارعا لتحضير البديل للمركز الشاغر لأن متطلبات الحرب تفرض احتمال الاغتيال في كل لحظة على جميع القادة، من الصف الأول وحتى الأخير، مهما كان حجم مسؤولياتهم.
ولكن نتنياهو ذهب ليتحدى إيران في عقر دارها بقتْله هنية في شمال عاصمتها. ورغم التطمينات التي أرسلتْها أميركا إلى كل من طهران وبيروت بأن العواصم لن تُقصف وأن الحرب الكبرى يجب تفاديها بأي ثمن، يبدو أن نتنياهو ذهب لاحتمال الحرب الكبرى من دون عِلم أو بتنسيق أميركي وتواطؤ مع إدارة أصبح رئيسُها شبه غائب.
وبالنسبة لـ «حزب الله»، لابد من الرد على إسرائيل لأنها ستتمادى في ضرب أهداف كبرى وأخرى مدنية وعسكرية إذا لم تُفرض معادلة الردع من جديد بقوة النار.
وإيرانياً، أعلن الولي الفقيه السيد علي خامنئي أنه «واجب على إيران الثأر لمقتل هنية لأنه قُتل على أرضها»، وتالياً فإن «الجمهورية الإسلامية ألزمت نفسها بالرد.
من هنا فإن الإنذارَ المبكّر الذي أرسلتْه إيران في ردّها الأول والوحيد المباشر ضدّ إسرائيل (عقب استهداف القنصلية في دمشق) لن يتكرّر، ما سيعقّد المشهد العسكري في الشرق الأوسط.
إلا أن المشكلةَ تكمن في الرد على الرد. فإذا رد «حزب الله» على مقتل القائد العسكري الأعلى للحرب الدائرة، فعليه الالتزام بقصف أهداف عسكرية ولكن بعيدة جداً عن الحدود وفي العمق الإسرائيلي.
فهل سيتقبل نتنياهو الضربة ويتحمّل الانتقاد الداخلي لِما تَسَبَّبَ به من تدمير صورة الردع كلياً؟ أم يذهب لردّ مقابل وتتدحرج الأمور إلى ما طلبتْه «حماس» منذ بداية الحرب بدخول جميع أعضاء حلف المقاومة في المواجهة لأن إسرائيل ستجرّهم إليها عاجلاً أم آجلاً؟
... فُتحت الجبهات على مصراعيها وعلى الاحتمالات كافة، كما أرادها نتنياهو. فهو يحاول أن يقدّم نفسه أفضل من ديفيد بن غوريون أو غولدا مائير وأنه يفتح الجبهات المتعددة من دون خشيةٍ ويُحرج أعداءه ويوقع بهم الخسائر التي تناسبه وحين يرى الفرصة أمامه.
لكن رد فعل المقاومة سيأخذ في الاعتبار دموية إسرائيل، كما تفعله في غزة منذ 10 أشهر، وستحاول تجنب الخسائر الكبرى بين المدنيين إذا استطاعت مع فرض العودة إلى قواعد الاشتباك كما كانت، وإذا فشلت، فإن الشرق الأوسط أمام أيام وأسابيع عصيبة.