الذكرى الـ34 للغزو تستعيد أيام الاختبار الصعب لإرادة الوطن والمُواطنين
الثاني من أغسطس... ملحمة كويتية كتبها شعبٌ صمَد وتمسّك بقيادته الشرعية
- منذ ساعات الاحتلال الأولى سطّر الكويتيون أروع معاني الوفاء والتضحية مُعلنين رفضهم التام للعدوان
- أعلن الشعب وقوفه إلى جانب قيادته الشرعية صفاً واحداً للدفاع عن سيادة وطنهم وحريته
- تنفيذ عصيان ورفض لجميع أوامر سلطات الاحتلال وتحمّل كل صنوف التعذيب والاضطهاد
تحلّ الذكرى الـ34 للغزو العراقي الغاشم على أرض الكويت، لتعيد ذكرى اختبار في غاية الصعوبة لإرادة الشعب الكويتي وقوته وصموده، حيث تمثل هذه الذكرى ملحمة وطنية كويتية، رغم ما شكّله الاحتلال من «صدمة تاريخية» لاتزال آثارها محفورة في وجدانه، حين انتهك المعتدي سيادة الكويت ضارباً عرض الحائط بجميع الأعراف والقوانين الدولية.
ومنذ الساعات الأولى للاحتلال الغاشم، الذي استمر سبعة أشهر، سطّر الكويتيون أروع معاني الوفاء والتضحية، حين أدركوا نوايا المحتل بطمس سيادة البلاد وهويتها، معلنين رفضهم التام لهذا العدوان السافر، ووقوفهم إلى جانب قيادتهم الشرعية صفاً واحداً، للدفاع عن سيادة وطنهم وحريته، معلنين عصيانهم ورفضهم لجميع الأوامر الصادرة عن سلطات الاحتلال، متحملين بذلك الرفض كل صنوف التعذيب والاضطهاد.
وفي موازاة مع مشهد الصمود، كان هناك مشهد التأييد الدولي للحق المُغتصَب. وشكّل هذا المشهد لوحة سياسية يصعب تكرارها فقلما نجد هذا العدد الهائل من دول العالم التي تتفق على رأي واحد، لكن الحق الكويتي وحّد القاصي والداني، وجعل المجتمع الدولي في حالة استنفار لتحرير الأراضي الكويتية وعودتها لأهلها.
ودان المجتمع الدولي تلك الجريمة الكبرى بحق الكويت وشعبها، منذ الساعات الأولى للغزو الآثم، إذ تصدى مجلس الأمن الدولي لهذا العدوان بقرارات حاسمة، بدءاً من القرار رقم 660 الذي دان الغزو العراقي وطالبه بسحب قواته فوراً من دون قيد أو شرط، إلى المواقع التي كانت تتواجد فيها في الأول من أغسطس، ثم توالت القرارات الدولية تباعاً لتُضيّق الخناق على النظام المعتدي وتُجبره على الانصياع للحق.
بمقولته الشهيرة «الكويت والسعودية بلد واحد... نعيش سوية أو نموت سوية»
الملك فهد... أصّل وحدة المصير
يستذكر الكويتيون، في ذكرى محنة الغزو العراقي الغاشم، بكل ما حملته من آلام وتضحيات تكللت بالتحرير وعودة الحق إلى أهله، كل الرجالات العظام الذين وقفوا مع الحق الكويتي من الأشقاء والأصدقاء.
ويتصدّر خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، هؤلاء الأوفياء، حيث كان صاحب الموقف الصلب الرافض للغزو، كما قام بدور بارز في دعم حرب التحرير، وتأييد الحق الكويتي في استعادة الأرض ونيل الحرية. وبعد وقوع محنة الغزو أعلن الملك فهد، رفض بلاده للاحتلال العراقي، وأبدى دعم المملكة لأي تحرك يهدف إلى تحرير الكويت. وفي الخامس من أغسطس 1990 التقى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، الملك فهد بن عبدالعزيز في جدة، وبحثا في أسلوب التحرك إزاء العدوان على الكويت.
وقد عبّر الملك فهد، في خطاب للشعب السعودي في 13 أغسطس من عام 1990، عن ألمه الشديد لما تعرض له أبناء الشعب الكويتي بسبب الغزو العراقي، قائلاً إنها «بادرة خطيرة ويحز في النفس أن يتعرض شعب الكويت لهجوم لا أخلاقي من دولة عربية جارة له وشقيقة». في موازاة ذلك، أجرى الملك فهد، اتصالات واسعة مع مختلف الأطراف العربية والإسلامية، أملاً في إيجاد حل للقضية، لكي ينأى بها عن أي تدخل أجنبي.
ولا يمكن أن تنسى الكويت الجهود البارزة التي بذلها، رحمه الله، في مراحل ما قبل الغزو وخلاله وما بعد التحرير، وكانت مقولته الشهيرة «الكويت والسعودية بلد واحد... نعيش سوية أو نموت سوية»، خير دليل على مدى إيمانه بالكويت دولة شقيقة في الخليج العربي والمنطقة.
ولدى الإعلان عن انتهاء حرب التحرير وعودة الحق الكويتي إلى أهله في فبراير 1991، كان الملك فهد بن عبدالعزيز، أول المهنئين لدولة الكويت قيادةً وحكومةً وشعباً.
وحظي الملك الراحل بمكانة رفيعة لدى أهل الكويت، لموقفه ودوره خلال محنة الغزو العراقي الغاشم، حين جعل من المملكة سكناً لكل العائلات الكويتية، ورعايتها رعاية شاملة، إذ لا يزال أهل الكويت يستذكرون كلماته الشهيرة تجاه الكويت، ومنها «الكويت في قلبي وفي قلوب جميع الشعب السعودي».
مجلس الأمن أصدر قرارات حاسمة بدءاً بـ660... وصولاً إلى 678 القاضي باستخدام القوة لتحرير البلاد
... حالة نادرة من التوافق الدولي على خروج المحتل
- إدانة جماعية للغزو من كل التكتلات السياسية العالمية ومطالب بالانسحاب الفوري
لم يقف المجتمع الدولي صامتاً أمام الحدث الجلل، بالغزو العراقي لدولة الكويت في العام 1990، إذ إن تعنت النظام العراقي وعدم استجابته لتلك الإرادة، استوجبا تصدي المجتمع الدولي بكل حزم واقتدار له، فكان لا بد من اتخاذ القرار الحاسم في دحر هذا العدوان الآثم، حيث سجل العالم حالة نادرة من الاتفاق على رأي واحد تجاه قضية معينة.
فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قرارات حاسمة، بدءاً بالقرار 660 الذي طالب النظام العراقي حينها بالانسحاب فوراً من الكويت، إضافة إلى حزمة قرارات أصدرها المجلس، تحت بند الفصل السابع من الميثاق والقاضية باستخدام القوة لضمان تطبيق تلك القرارات.
واستمرت قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالكويت تتوالى تباعاً، حتى صدور القرار رقم 678 في 26 نوفمبر من عام 1990، الذي كان بمنزلة صدمة كبرى للنظام العراقي البائد، عندما أجاز مجلس الأمن استخدام القوة العسكرية لتحرير الكويت وعودة شرعيتها.
وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة، بناء على رغبة العديد من الدول في الثالث من أغسطس العام 1990، وفي نهايتها صدر القرار رقم 660 الذي دان الغزو العراقي للكويت، داعياً إلى انسحاب العراق فوراً ومن دون قيد أو شرط من الأراضي الكويتية وعودة الشرعية إلى الكويت.
وأعلنت الدول الكبرى، ومن بينها الولايات المتحدة، تنديدها بالغزو، مطالبة العراق بسحب قواته فوراً من الكويت. وأصدرت الدورة التاسعة عشرة لوزراء خارجية الدول الإسلامية خلال انعقادها بالقاهرة بياناً طالبت فيه بانسحاب القوات العراقية من الأراضي الكويتية، في حين أجمع سفراء مجموعة دول عدم الانحياز خلال اجتماعهم في نيويورك على إدانة الغزو ومطالبة العراق بالانسحاب الفوري.
وتقدمت الولايات المتحدة بمشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن يقضي بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية شاملة ضد العراق، لإجباره على الانسحاب من الكويت من دون قيد أو شروط، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الذي صدر عقب ساعات من الغزو.
ووافق مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة، بعد تعديله وإضافة بعض البنود عليه، ليصدر قراره رقم 661 في السادس من أغسطس، وهو الثاني بعد الغزو، حيث أكد تصميم المجلس على إنهاء احتلال الكويت وإعادة سيادتها وسلامتها.
وجرت اتصالات بين مختلف العواصم العالمية لحشد تحالف دولي، بعدما أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً ثالثاً في شأن احتلال الكويت هو القرار 662 الذي أكدت فيه الأمم المتحدة رفضها القاطع لقرار العراق بضم الكويت، واعتبرته باطلاً وملغى.
وطالب القرار جميع الدول والمنظمات الدولية والوكالات المتخصصة بعدم الاعتراف بذلك الضم.
وفيما بدأت طلائع قوات عربية ودولية في الوصول إلى الأراضي السعودية، لتشكل التحالف الدولي لتحرير الكويت، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره الرابع الخاص بالغزو العراقي وحمل الرقم 664، مجدداً تأكيده على بطلان ضم الكويت إلى العراق، ثم أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 674 ضد العراق، واتفقت الدول الخمس الكبرى على صيغة مشروع قرار يسمح باستخدام القوة العسكرية ضد العراق، إذا لم ينسحب من الكويت.
وفي نهاية نوفمبر 1990 أصدر مجلس الأمن قرارات عدة، منها القرار رقم 677 الذي حذّر العراق من مغبة محاولاته الرامية إلى طمس هوية الكويت وتوطين عراقيين محل المواطنين الكويتيين، وأكد أهمية الاحتفاظ بالنسخ المهربة من سجل السكان في الكويت.
فزعة خليجية وعربية... سياسياً وعسكرياً
سجّل الأشقاء الخليجيون ومن معظم الدول العربية والأصدقاء في العالم، صفحة ناصعة البياض ستظل أبد الدهر محفورة في ذاكرة التاريخ الإنساني، شاهدة على تسابق القوى العالمية لنصرة الشرعية الكويتية، ودعمها في وجه المحتل أثمر تحالفاً دولياً، قوامه أكثر من 30 دولة انخرطت في حرب تحرير الكويت حتى تقهقر المحتل صاغراً موسوماً بعار انتهاك عُرى الأخوة والجيرة.
وانطلاقاً من نصرة الحق والوقوف في وجه قوى الظلام أعلنت معظم الدول العربية تأييدها التدخل العسكري لوقف آلة الحرب العراقية وإرغامها على الانسحاب، ليصدح صوت العرب بقيادة المملكة العربية السعودية ومعها شقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وسورية ولبنان وغيرها، لدعم الحق الكويتي وتوسيع دائرة الإدانة الدولية للغزو، ورفض كل ما يترتب عليه من نتائج، وإعادة الشرعية الكويتية، حيث بادر أعضاء مجلس التعاون الخليجي منذ الساعات الأولى من هذه الجريمة البشعة بالتحرك، انطلاقاً من الإيمان الراسخ بأن أي اعتداء على أي دولة عضو هو اعتداء على جميع دول المجلس.
ومثلت دول التعاون نواة التحرك السياسي والدبلوماسي الرافض للعدوان ونتائجه والمطالب بالانسحاب العراقي من الأراضي الكويتية بلا شروط، كما جاء في اجتماع وزراء خارجيتها الطارئ، بالقاهرة في 3 أغسطس 1990 على هامش اجتماعات مجلس الجامعة العربية.