بلا دبابات ولا مدرّبين... ووسط الخسائر الفادحة في غزة

إسرائيل تكشف عن عجزها فتح أي جبهة أخرى

القوات الإسرائيلية تعاني عجزاً في سلاح المدرعات
القوات الإسرائيلية تعاني عجزاً في سلاح المدرعات
تصغير
تكبير

اعترف قائد جيش الاحتلال، بالنقص الحاد في الدبابات والذخائر، الناتج عن الحرب الإسرائيلية الطويلة في قطاع غزة، في وقت يطالب هيرتسي هاليفي نفسه، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بإنهائها.

هذه المرة الأولى التي يعترف فيها «أقوى جيش» في الشرق الأوسط، بخسارة كبيرة في الدبابات وطواقمها، وفي صفوف القادة الذين أصيبوا أو قتلوا في المعارك.

لكن اللافت في الأمر، أن التصريح، ليس فقط عن خروج عدد هائل من الدبابات من الخدمة، بل النقص في برامج تدريب الكوادر والموارد اللازمة لصيانة المدرعات.

وتعترف إسرائيل، بحسب تقرير نشرته صحيفة «معاريف» بأن أكثر من 500 مدرعة من مختلف الأنواع تعرضت لأضرار منذ السابع من أكتوبر الماضي، وطواقمها بداخلها، بينما أعلنت «كتائب القسام» أنها أصابت أكثر من ألف دبابة وآلية مدرعة داخل غزة.

ويعد تصريح رئيس الأركان، دليلاً واضحاً على حجم التساؤلات حول جاهزية الجيش، وتأثير نتائج الحرب على معنوياته والخسائر الطبية والنفسية على أطقم الدبابات وعلى رغبته بعدم الاستمرار بالحرب وحدود القدرات القتالية، وانتقاد الأهداف السياسية ضمناً. وسواءً كان ذلك ذريعة أم تقييماً صريحاً، فإنه يتوجب التوقف عنده.

مما لا شك فيه أن هناك خلافاً عميقاً بين القيادتين السياسية والعسكرية، في شأن تداعيات السابع من أكتوبر، ونتائج الحرب الطويلة التي تخوضها إسرائيل للمرة الأولى منذ اغتصابها لفلسطين.

ومن جانبه، يحاول نتنياهو إظهار ضعف الجيش واتهامه بالتقصير وبالمسؤولية عن أي فشل أصب الكيان في الحرب الشعواء التي يخوضها فعلاً ضد المدنيين والبنية التحتية بالدرجة الأولى.

أما الاعتراف بخسائر الجيش من الرجل العسكري الأول، فهو يعكس تحدياً تشغيلياً حقيقياً، حيث يعاني جيش الاحتلال من نقص في الأفراد المدربين لتشغيل الدبابات الموجودة أو التي تستطيع إسرائيل جلبها من حلفائها.

ويشير ذلك إلى صعوبات لوجستية كبيرة حقيقية وليس عذراً يضر بسمعة هذا الجيش الذي طالما تغنى بقدراته الفائقة والفائضة.

وهذا يدل أيضاً على قضايا نظامية طويلة الأمد، مثل عدم توفر استثمار كافٍ في برامج التدريب وصعوبة إيجاد عدد كافٍ من المتخصصين والمدربين. وان ارتفاع عدد الإصابات أوضح حدود القدرات العسكرية الحالية والضغط الهائل الذي تعرضت له قوات الاحتلال من ضربات المقاومة ما أدى إلى الاعتراف العلني بأوجه القصور المفترض أن تبقى سرية، ولا سيما أن المعركة لم تتوقف، وهناك تهديد وتلويح في الإفق بمعركة أخرى أو على الأقل توسيع الحرب الدائرة مع لبنان.

10 أشهر من الحرب على غزة، أرهقت جيش الاحتلال عملانياً، وتالياً فإن ذكر فجوة التدريب يمكن أن تكون وسيلة توضح حدود القدرات الحالية والضغط الذي تتعرض له من ضربات المقاومة.

وهذا دليل على الحاجة لموارد إضافية محلية أو من الحلفاء لتعزيز القدرة التشغيلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن جيش الاحتلال يسلط الضوء، من دون استحياء، على النقص في المدربين ليشجع القيادة السياسية على تخفيف التوقعات ورسم أهداف واقعية لا مستحيلة وإجراء تعديلات عليها لإنهاء الصراع.

ومما لا شك فيه أن تصريح قيادة جيش الاحتلال يحمل انتقاداً لأهداف نتنياهو الذي لا يترك مناسبة من دون انتقاد أداء الجيش واتهامه بالإخفاق أو العجز عن تحقيق الأهداف المستحيلة (إنهاء حركة «حماس» وتحرير الأسرى) المرسومة له.

وهذا لا ينفي أن إسرائيل تكشف للمرة الأولى حدود قوتها العسكرية ليأخذ أعداؤها علماً بذلك، في خضم الحرب والتعامل مع هذه المعلومات القيمة لتطوير الحرب من جهتهم، ومعرفة حدود ما يمكن أن تقدم عليه إسرائيل في الأشهر المقبلة.

أما عن فجوة التدريب، فإن الدبابات الحديثة وتعقيداتها تتطلب تدريباً مكثفاً، إذ لا يحتاج المدربون لأن يكونوا ماهرين في تشغيل المدرعات فحسب، بل إلى المهارة في نقل هذه المعرفة إلى الضباط الجدد، مما يتطلب وقتاً لا تسمح له وتيرة العمليات الحالية أو القادمة.

وهذا ما يحد من العمليات الهجومية والدفاعية ويدفع إلى إعادة تقييم القدرة على مواصلة الحرب الحالية بشدتها.

عندما تصيب المقاومة دبابة بانفجار صاروخ مضاد للمدرعات، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إصابات جسدية في طاقمها، مثل الكسور والتمزقات والحروق وارتجاجات داخلية وصدمة الدماغ وتلف الرئة وإصابات أخرى بسبب موجة الصدمة.

بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات ما بعد الصدمة وتأثيرات نفسية (PTSD) والارتباك والخدر العاطفي ما يؤثر على قدرات الضباط القتالية مستقبلياً.

ففي الحرب العالمية الثانية، العديد من الأمثال لتأثير الحرب المضادة للدبابات على أطقمها والتي غالباً ما انتجت ارتجاجات وفقدان السمع والصدمات النفسية.

وفي حرب «يوم الغفران» عام 1973، واجهت أطقم الدبابات الإسرائيلية خسائر فادحة بسبب الاستخدام الفعال للصواريخ الموجهة المضادة للدبابات (ATGMs) ما تسبب بفقدان الذاكرة وصعوبة التركيز لأعداد كثيرة من الطواقم.

وفي حرب لبنان الثانية عام 2006 بين إسرائيل و«حزب الله»، استخدم الحزب صواريخ «كورنيت» وMETIS-M القادرة على اختراق درع دبابة «الميركافا»، وألحاق أضرارا بالغة في طاقمها.

وخلال عملية «الجرف الصامد» ضد غزة عام 2014، واجه الاحتلال تحديات مماثلة من الصواريخ المضادة والعبوات الناسفة والقتال من مسافة قريبة أصابت طواقم الدبابات بإصابات دماغية وفي العمود الفقري وكسور في العظام.

وقد قام جيش الاحتلال بتعديل تكتيكاته بتنسيق أفضل مع قوات المشاة والدعم الجوي. إلا أن حرب غزة 2023 أثبتت أن المقاومة طورت هجماتها القريبة جداً من الهدف لتحقيق إصابة فعالة وهجمات «شبه انتحارية» لتوقع أكبر عدد من الإصابات في طواقم الدبابات.

وهذا ما دفع القيادة الإسرائيلية لكشف أسرار ما تشكو منه، وتقول لرئيس الوزراء بعبارة صريحة «لم يعد لدينا دبابات صالحة ولا تفكر بإحضار أخرى من دول حليفة لأننا لا نملك مدربين في الوقت الراهن ويحتاج الجيش لوقت طويل لعودة سلاح المدرعات بجهوزيته إلى أرض المعركة... فاذهب إلى تفاوض ينهي الحرب لأننا لا نستطيع تحقيق أكثر مما وصلنا إليه».

إذا كانت غزة قد أخرجت دبابات الاحتلال من الخدمة لمدة غير محددة، فكيف سيذهب نتنياهو إلى أي حرب أخرى أو تطوير الهجوم نحو أي اتجاه داخل غزة أو على الحدود اللبنانية من دون ألوية مدرعة تحمي قوات المشاة، خصوصاً أن رئيس الأركان، فضل الكشف بنفسه عن اكثر الأسرار حساسية، بضعف جيشه، بينما المعركة لاتزال تدور رحاها؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي