خارج الصندوق

المكان الهادئ

تصغير
تكبير

فيلم أجنبي بعنوان «a quiet place, day one» يحكي قصة اليوم الأول الذي يصبح فيه العالم هادئاً، ويتم عرضه حالياً في دُور السينما الكويتية وهو الجزء الثالث لجزأين سابقين، يتحدثان عن اجتياح مخلوقات غريبة للعالم لا تُرى، ولكنها تهاجم أي مصدر للصوت ولو كانت مجرد كلمة، فتخطف الذي أمامها وكأنها تراه، فيؤثر الكيّس الفطن بالفيلم الانعزال عن العامة ومن لا يعرفهم ولا يثق فيهم لعدم ضمان تقلباتهم ورغبتهم في النجاة ولو على حساب الآخرين، كذلك ضعف صبر الناس عن الكلام في ما ليس له داعٍ، ما يؤدي إلى هجوم هذه الكائنات الغريبة الفتّاكة عليهم، وترك الحديث وكل ذلك بحثاً عن النجاة، غير أن كل شخص يرى أنه صاحب رأي.

الكلام فطرة جُبل الناس عليها، بل هي أداة للتواصل والتفاهم والتعبير بين أفراد المجتمع، لكن في أزمنة الرخاء يعتاد الناس الكلام بلا ضابط، كما هو معتاد أيضاً في الشعوب المترفة بسبب قلة العمل وزيادة أوقات الفراغ، وهناك من يخوض في كل صغيرة وكبيرة كدليل على الإلمام والإحاطة بما يدور والتباهي به، والذي ينزلق في فلتات لسانه والكلام في ما يعنيه وما لا يعنيه ويعتاد من حوله عليه بأن يترك تعليقاً أو يدلي بدلوٍ ويجد منصتاً ومعجباً ومصفقاً، فذلك ابتلاء من الله عظيم يظن منه المتكلم أنه على حق.

برأيي أن في الفيلم إشارة عظيمة تجسد حال الناس بين اعتيادهم على الكلام بلا قياس ولا ضابط وبين انتشار الفتن، وأثر الكلام في أزمنة الفتن التي يكون القاعد فيها خيراً من الماشي، والكائنات التي تأتي لمجرد سماع الصوت هي كالفتن التي تفتك بصاحبها دون أن تعطيه فرصة للهروب، وبالفعل فالفتن غالباً ما تكون غريبة على أهل زمانها فلا يعرفونها ولا يدرون ما هي ولا كيف جاءت.

أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر في ما اعتدنا عليه من كلام، والبعد عن الخوض بالكلام أحرى لسلامة القلب من الانشغال بما لا يعنيك أمره ولا يهمك حاله، وفي ذلك تصديق لما جاء في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم في قوله: (...من كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كان له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، ومن لم يكن له شيء من ذلك فليعمد إلى سيفه فيدق بحده على حَجر، ثم لينج إن استطاع النجاة)، أو كما قال، صلى الله عليه وسلم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي