الرأي اليوم
دعوا مليون زهرة تَتَفَتّح في السعودية
عندما أراد الزعيم الصيني ماو تسي تونغ عام 1956 أن يُصلح حاضر الصين ومُستقبلها رفع شعار «دعوا مئة زهرة تتفتّح» كي يستجمع كلّ طاقات الصينيين على مُختلف توجّهاتهم في دعم التغيير، لكن الموروث الحزبي والاشتراكي والشيوعي كان حارساً للجمود فكبّل مُحاولات ماو الذي اضطر إلى تغيير الشعار مثل أن الزرع يستدعي اقتلاع النباتات السامة قبل ذلك... فلم تتفتّح زهرة ولم تقتلع نبتة لفترة طويلة.
أعود إلى هذه القصة لاحقاً.
التحوّل التاريخي على كلّ المُستويات في المملكة العربية السعودية ليس مُقتصراً على الفعل فحسب بل على ردّ الفعل أيضاً، فالقيادة الجديدة تُدرك أنها فتحت أحد أكثر المسارات وعورة وصعوبة لعبور الجسر إلى مُستقبل أفضل وإصلاحات جِذريّة واستفادة مُثلى من كلّ المُقدّرات الموجودة في البلاد، وتُؤمن بأنّ الطريق الوحيد لذلك هو العمل والعمل والعمل... وفي مُوازاة ذلك رسمت خطاً جديداً في التعاطي مع الحرب المُضادّة التي تُشنّ ضدّ نهجها الحالي وهو التعاطي مع أهداف تلك الحرب بالركون فقط إلى الأرقام والإنجازات.
لا تُريد القيادة السعودية تضييع الوقت واستنزاف الجهود في الردّ على كلّ حملة ضدّ الإصلاح القائم حالياً، وتُفضّل أن يُكمل كلّ فريق في كلّ قطاع عمله بالوتيرة المرسومة له. أي إنجاز هذا المشروع أو ذاك في الوقت المُحدّد أو حتى قبله، والوصول إلى رقم من أرقام التنمية حسبما كان مُقدّراً له في الخُطط الموضوعة، ومُتابعة برامج الاستثمار من دون أيّ التفاتة إلى الوراء أو أيّ انشغال بتقرير في صحيفة أجنبية أو عربية أو صادر عن هيئة دولية مُسيّسة معروفة الأهداف والتطلّعات.
باختصار، الأمثولة التي تُقدّمها المملكة لأقرانها القريبين وللأطراف البعيدة هي «الردّ بالأرقام»، مُعتمدة درجة عالية من الشفافية في عرضها لما تحقّق ولما تأخّر تحقيقه مع شرح الأسباب كاملة.
الغوص في الأرقام التي تشمل كلّ قطاعات المملكة لا يضعك على مشارف الرؤية النهارية والليليّة لما جرى من تقدّم، بل يكشف لك حجم الجهد الضخم الذي يُبذل لنقل البلاد من مرحلة إلى أخرى.
أرقام مُتاحة للجميع وإظهارها هو جزء من شفافية مطلوبة لتقويم العمل وتعزيز الشراكة المُجتمعيّة واعتماد مبدأ الثّواب والعقاب.
أرقام تحتاج مُؤسّسات كبرى لجمعها ومُواكبتها واستخلاص النتائج منها سواء كان الأمر على مُستوى جمعيّة تعاونيّة أو على مستوى تخصيص جزء من أسهم مُؤسّسات عملاقة مثل «أرامكو». وما بينهما كلّ شيء: أرقام السياحة والخدمات الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية والصحية والتربوية والمدن الجديدة والمشاريع الضخمة من بنى تحتية وتكنولوجية والفنّ والثقافة والمتاحف والأماكن التاريخية وغيرها.
لا تتّسع الأرقام لذكرها في مقال بطبيعة الحال، وسهل جداً الاطلاع عليها من مصادرها مثل الهيئة العامة للإحصاء والمركز الوطني للتنافسية، يكفي مثلاً القول إنه رغم كلّ الحملات المُصاحبة لحركة الاستثمارات السعودية إلّا أنّ صندوق الاستثمارات العامة السعودي حقّق بحسب بيانات المُؤسّسات العالمية 25 مليار دولار ربحاً من الأنشطة الاستثمارية العام الماضي، كذلك تحدّثت تقارير المُنظّمات الدولية العالمية، عن حركة سياحيّة داخل المملكة عام 2023 بلغت أكثر من 100 مليون سائح من داخل البلاد وخارجها، أنفقوا 135 مليار ريال بزيادة قدرها 42.8 % مُقارنة بعام 2022، وتقدّمت إلى المرتبة الرابعة العام 2024 بين دول مجموعة العشرين، مدعومةً بِتحسّن تشريعات الأعمال، والبنى التحتية، وانخفض معدل البطالة بين السعوديين وشهدت القطاعات اللا نفطيّة مع بداية العام الحالي وفق تقرير بعثة خبراء البنك الدولي نمواً ملحوظاً.
الأرقام في المملكة صارت رفيقة حياة السعوديين في مرحلة التحول التاريخية التي أصبحوا شهوداً عليها ومشاركين في صناعة التغيير خصوصاً فئة الشباب، واللافت أنه باستثناء ردّ أو ردّين للضرورة وعلى فترات بعيدة، لا يبدو أن صُنّاع القرار في المملكة مُهتمّون بحملات التشكيك مهما كانت حيثيّة مرجعيّاتها الدولية كبيرة. هم يعيشون مع أرقامهم مهما تبدّلت والقياس عندهم مصلحة السعوديين ومُستقبلهم فقط.
المُتابعة الموضوعيّة لما يحصل في المملكة، خصوصاً منّا نحن أهل الخليج العربي، تجعلنا نقول إن مليون زهرة تتفتّح رغم كل مُحاولات الجذب إلى الوراء ووضع الحواجز أمام التقدّم. الفارق بين الرياض وبكين، أن حسابات ماو تسي تونغ كانت حزبية وحسابات محمد بن سلمان سعودية. أولويات ماو وقف تفتّح الأزهار لاقتلاع ما يعتبرها نباتات سامة وأولويات بن سلمان تعميم تفتّح الأزهار في كلّ المساحات وزحف جمالها ورونقها وروائحها وألوانها على أيّ نبات غير مُفيد يموت وحده مهما كانت جذوره طويلة.
سقطت رؤية ماو لأن حُرّاس الاشتراكية المُخضرمين الطاعنين في السن والعقيدة الشيوعية طوّقوا أحلام الشباب ونجحت رؤية بن سلمان لأنّه خاضها بروح الشباب وبالشباب ومن أجل مُستقبل أفضل للشباب الذين يُشكّلون الغالبية المُطلقة في المُجتمع السعودي.
حمى الله الرؤية والتجربة والتغيير والتطوّر.