مجرد رأي

الميزانية الجديدة وسيف الشفافية...؟

تصغير
تكبير

في علم الاقتصاد هناك مقولة رائجة مفادها أن «الأرقام لا تتجمل» سواء كان جمعاً أو ضرباً أو حتى طرحاً، ولذلك نجد النتائج المالية مستقيمة دائماً مع المقدمات.

وخلافاً لهذه الحقيقة عاكست طريقة استعراض الميزانية الجديدة للدولة هذه الحقيقة، فبدلاً من أن يشهر مسؤولو الوزارة سيف الشفافية بدرجة كافية لتعديل المسار المالي برؤية واضحة جاءت «الأرقام متجملة» للدرجة التي يصعب معها حتى من قبل المتخصصين بناء حقيقة اقتصادية ومالية ثابتة بشأن المسار العام.

ووسط المخاوف المتزايدة من قدرة الحكومة على وضع حد للعحز المالي المتتالي الذي أثقل كاهل البلاد لسنوات بسبب عدم وجود رؤية واضحة لمواجهة التحديات وتحقيق التنمية المستدامة المستهدفة، تمكنت منهجية ضعف الأرقام والمؤشرات الدالة على الحالة المالية للدولة من دغدغة فضول المواطنين ودفعهم لطرح مزيد من الأسئلة التي تبحث عن أجوبة بخصوص حقيقة العجز المالي وخطط الحكومة القادرة على الإنقاذ.

ويمكن القول إن لقاء الميزانية الذي كان يفترض أن يكون مفتوحاً من الحقائق والأرقام النافية للجهالة، عزّز غموض البيانات المطروحة للنقاش حول مستقبل الدولة المالي والاقتصادي حول قدرة الحكومة الحقيقية في مواجهة التحديات بفاعلية كافية ورؤية متوافرة.

ولا يمكن تجاهل أن اللقاء المنعقد في خصوص الميزانية لم يعكس تطوراً ملموساً للمسار الاقتصادي، لا سيما لجهة آليات مسؤولي الوزارة الفاعلة في مواجهة التحديات المالية والمشاريع الإصلاحية والمتكاملة المتوافرة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي والمالي.

ووفقاً لردود الأفعال سواءً من المتخصصين اقتصادياً أو من المواطنين يتضح أن منهجية عمل «السكيتي» لا تلبي الطموح... حيث يرغب الجميع في استعراض الميزانية الجديدة بلغة مالية مفهومة مدعومة بخطط عمل واضحة ومعلنة التفاصيل حول اتباع المسارات المستهدفة لإطفاء حرائق عجز الميزانية العامة، ولتعزيز قدرة الدولة على طرح مشاريع تنموية مستدامة تضمن تنويع مصادر الدخل العام وتوفير فرص عمل حقيقية للمواطنين.

وما يثير الفضول أكثر أنه رغم الإشارة إلى أن العجز المتوقع في الموازنة خلال السنوات الـ 4 المقبلة يقارب 26 مليار دينار، لم يتم التطرق إلى خطط المعالجة المعدة في هذا الخصوص سوى التأكيد على العقلية الحكومية ذاتها في معالجة الخلل المالي حيث «استمرار الإنفاق دون إصلاحات سيجبرنا على سدّ العجز من الاحتياطي».

بالطبع، تزيد هذه المنهجية الحكومة المخاوف من احتمالية عدم وجود خطة مالية واقتصادية جاهزة للمواجهة، ومن ثم استمرار ضعف دعائم الإصلاحات والاستدامة والعدالة.

وإذا كان الهدف الأسمى للإصلاحات تنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل جديدة بمشاركة القطاع الخاص فكان يفضل التطرق إلى سيناريوهات تحقيق ذلك وعدم الاكتفاء بالإشارة إلى تقديم 9 مبادرات في برنامج عمل الحكومة لإصلاح الميزانية وزيادة الإيرادات غير النفطية.

الخلاصة:

تجربة استعراض الميزانية العامة للسنة الجديدة لا تلبي الطموح بدليل عدم الرضا الشعبي الواسع في هذا الخصوص، ما يستدعي من الحكومة إعادة النظر في منهجيتها لتصميم الأهداف وتوقع النتائج.

فمكاشفة الحكومة للشعب بخططها المتعلقة بمستقبله والتحديات التي تواجهها وسبل المعالجة الممكنة تشكّل أداة مهمة لضمان تفعيل سلاح المسؤولية المجتمعية في دعم جهود الدولة، ولذلك لا يوجد ما يمنع من خروج وزير المالية وجميع الوزراء المعنيين بالإصلاح المالي والاقتصادي للإعلام مجدداً على أن تكون هذه المرة كافية لتوضيح الحقائق بصورة شاملة، وليس مجتزأة تعتمد على ذكر التحديات دون تفاصيل أو رؤية.

فمن خلال هذه المشاركة الهادفة لتعزيز المسؤولية المجتمعية يمكن للمواطنين باعتبارهم المشاركين في تنفيذ خطط الحكومة المساهمة في تعزيز أثر إجراءات تعديل المسار مالياً واقتصادياً سواءً عن طريق الترشيد أو من خلال تعزيز المعالجات والآليات التي تضمن استدامة التنمية المالية والبشرية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي