مشاهدات
فقدنا اليوم حبيباً
فقد الأحبة له أوجهٌ مختلفة الأحداث، فهناك من يفقد أحد أفراد أسرته المقربين، وآخر يفقد من الأرحام الأباعد، ومنهم من يفقد صهراً أو صديقاً أو حبيباً.
وأنا فقدت كل ذلك في رحيلك يا (حبيب).
اسمك حبيب، واجتمعت فيك كل الصفات المحببة، فلقد اقترن اسمك بصفاتك الحميدة، لو تصفحنا المعاجم سنجد أن كلمة (حبيب) تعني المحب، وجمعها أحباب وأحبّاءُ وأحِبَّة.
وبالرغم من إيماننا بان الموت حق، ولابد أن يأتي اليوم لنرحل من هذه الدنيا الفانية، نتعلق بشخوص وتسود بيننا المودة والاحترام والتقدير مع إيماننا بان النهاية ستكون مؤلمة بفقد أحدٍ ما ممن تعلقنا بهم.
فالدنيا مبنية على الفراق وفقدان الأحبة، وحتماً يوماً ما سيغيّب الموت شخصاً كنا نعرفه، كنا نتحدث معه ونفضي إليه شجوننا ونرتاح بالحديث معه، وفجأة من حيث لا نعلم تأتينا صفعة الموت لنكتشف بأنه لن يكون حاضراً معنا بعد الآن ولن نراه مرة أخرى، فقد ذهب وارتحل على حين غرة من هذه الحياة الدنيا!
وتظل الذكريات والمواقف والأحداث التي جمعتنا معاً حاضرة لا تنسى نذكر بعضا منها:
المرحوم / حبيب محمد تقي بهبهاني
صاحب مؤسسة تجارية ووكيل أدوية لشركات عالمية، خلال فترة الغزو الغاشم غادر جميع العاملين فى مؤسسته عائدين إلى أوطانهم خوفاً على أرواحهم وذلك أمر مسلّم به، فأجبرته الظروف على متابعة أمور الشركة، وكنا معاً في تلك الفترة، فاتخذ القرار بنقل الأدوية من المخازن إلى المنزل بعيداً عن أعين جلاوزة النظام بأسرع وقت دون تردد أو خوف من تبعات مخالفة تعليمات الغزاة.
فتم نقلها إلى المنزل بسلام ومن ثم تم تزويد المستشفيات والأطباء لاحقاً بها ليتم علاج المرضى المحتاجين إليها، وكذلك لعلاج رجال المقاومة المصابين فى العيادات السرية.
والجدير بالذكر، أنه كان له دور كبير في مساعدة العوائل التي كان في كنفها أطفال رضع حيث زودهم بالحليب البودرة والمكملات الغذائية الخاصة بالأطفال، بالإضافة إلى الحفاضات والأدوية المتنوعة، وشارك بتقديم الأموال للمواطنين خلال فترة الغزو.
وعند تحرير الكويت قمنا ببيع زيوت المحركات كونه وكيلاً لنوع منها، وعند بيع جزء منها اكتشفت بأن هناك أموالاً قد صدر قرارٌ من الحكومة بإلغائها من التداول بسبب نهب أغلب تلك الإصدارات من الغزاة.
فأبلغته بأن نتوقف عن قبول تلك الأموال؟ فقال لو كان المواطنون يملكون أموالاً غيرها لاستخدموها، استمر ولا تتوقف عن أحد سواءً بسبب المال الملغي أو بسبب عدم وجود المال معهم.
من المواقف المشهودة له رد الإساءة بالإحسان، فكان إنساناً متسامحاً لم يحقد على أحد.
فالعمل الوطني ليس شعارات وإنما أفعال وإخلاص ووفاء وتضحية، ولم يكترث بالمخاطر المحدقة بل صرف أمواله الخاصة وبضاعته على المجتمع الذي كان في أمس الحاجة إلى من يساعده ويمد له يد العون لاجتياز تلك الظروف الصعبة في ذلك الوقت.
تعلّمت منك الكثير يا (حبيب) منها الاعتماد على النفس ومساعدة واحترام وتقدير الآخرين، والثقة كانت دائماً حاضرة بيننا بل كانت الصداقة تربطنا أكثر من صلة القرابة.
ففى صباح يوم الإثنين كنت يا (حبيب) بشوشاً فرحاً ثم خلدت إلى النوم كعادتك قبل تناول وجبة الغداء، وافتك المنية وأنت بين أحبتك أهل بيتك نائماً قرير العين والابتسامة على محياك لم تؤذ أحداً في حياتك ورحلت كذلك بهدوء دون أن يتأذى أحد بمعاناة المستشفيات.
وكل من عرفك يا (حبيب) يشهد بأنك الإنسان المبتسم الخلوق حسن المعشر طيب القلب لم تظلم ولم تحمل أي ضغينة لأحد، اجتماعي من الطراز الأول صاحب الروح الجميلة والصديق المتواصل مع الجميع، رحلت وتركت فراغاً كبيراً في حياتنا.
هذه هي حال الدنيا ونحن ضيوف فيها وكلنا راحلون وتلك هي مشيئة المولى عز وجل.
يا الله ارحم عزيزنا (حبيب) وأكرمه بموته كما أنعمت عليه في الحياة.
اللهم ارحم الأنفس الطيبة التي انتقلت إلى جوارك، واغفر لهم ووسع لهم قبورهم واجمعنا بهم بجناتك واجبر قلبنا بعد رحيلهم.
ختاماً،
من محاسن الصدف عندما تم مواراة جسدك بالتراب في روضة العائلة كنت بجوار روضة صديقك وأخيك وقريبك وعزيزك المرحوم (عبدالخضر محمد قاسم بهبهاني)، من دون أي ترتيبات سابقة، لذلك كتب لك بأن تكون بجانب من كنت تكن له كل المحبة والمعزة والتقدير.
حَبيبٌ لَيسَ يَعدِلُهُ حَبيبُ
وَما لِسِواهُ في قَلبي نَصيبُ
حَبيبٌ غابَ عَن عَيني وَجِسمي
وَعَن قَلبي حَبيبي لا يَغيبُ
«إنّا لله وإنّا إليه راجعون»
