المحافظون تحت العقاب... والعمال أمام تحديات تاريخية

بريطانيا... إلى يسار الوسط!

ستارمر وزوجته في طريقهما للإدلاء بصوتيهما أمس (شينخوا)
ستارمر وزوجته في طريقهما للإدلاء بصوتيهما أمس (شينخوا)
تصغير
تكبير
,

أدلى الناخبون في كل أنحاء المملكة المتحدة، بأصواتهم أمس، في انتخابات تشريعية يتوقع أن تشهد فوز حزب العمّال، وخروجاً تاريخياً للمحافظين من السلطة بعدما استمروا في الحكم منذ العام 2010.

ويثير المحافظون استياء البريطانيين بعد ترؤس خمسة من زعماء الحزب الحكومة خلال 14 عاماً. ويتطلع الناخبون إلى التغيير بسبب سياسات التقشف وأزمة تكاليف المعيشة، ونظام الصحة العامة المتهالك، ما دفع المحافظين في الأيام الأخيرة إلى الإقرار بأنّهم لا يسعون إلى الفوز بل إلى الحد من الغالبية التي يتوقّع أن يحقّقها حزب العمال.

وأقرّ رئيس الوزراء ريشي سوناك، بأن الهدف حالياً هو منع حزب العمّال من تحقيق «غالبية ساحقة».

وفي حال عدم حصول أي مفاجآت، يتوقع أن يكلف الملك تشارلز الثالث، اليوم، كير ستارمر زعيم حزب العمّال والمحامي السابق البالغ 61 عاماً، تشكيل حكومة بعدما أعاد حزبه إلى يسار الوسط وتعهّد إعادة «الجدية» إلى السلطة.

وسيكون وصوله إلى 10 داونينغ ستريت، بمثابة وصول زعيم معتدل، في حين يتقدّم اليمين المتطرف في فرنسا، ويحظى دونالد ترامب بفرص للفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل والعودة إلى البيت الأبيض.

وعلى خلاف فرنسا، يبدو أن بريطانيا ستنتقل إلى يسار الوسط وليس إلى اليمين المتطرف.

وقبل فتح صناديق الاقتراع، قال ستارمر الذي دخل عالم السياسة قبل تسعة أعوام فقط، «يمكن للمملكة المتحدة أن تفتح فصلاً جديداً. حقبة جديدة من الأمل والفرص بعد 14 عاماً من الفوضى والانحدار».

وأدلى ستارمر بصوته صباحاً في شمال لندن برفقة زوجته فيكتوريا.

كذلك أدلى سوناك بصوته في دائرته الانتخابية شمال إنكلترا، مع زوجته أكشاتا مورتي.

وحذر البريطانيين عبر منصة «اكس» من إخضاعهم لضرائب أعلى «خلال بقية حياتهم».

ودُعي 46 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع لتجديد مقاعد مجلس العموم المؤلف من 650 مقعداً. ويتمّ انتخاب كلّ نائب بالنظام الفردي، ما يعطي الأفضلية للأحزاب الرئيسية.

ويبرز تساؤلان رئيسيان، يتعلّق الأول بحجم انتصار حزب العمال وهزيمة سوناك، العاجز عن إحداث أي زخم بعدما أمضى 20 شهراً في منصبه.

ويرتبط السؤال الثاني، بكيفية ترجمة اختراق حزب «إصلاح المملكة المتحدة» المناهض للهجرة والنظام بقيادة نايجل فاراج، المدافع الأكبر عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

تراكم أخطاء

بالنسبة إلى سوناك، خامس رئيس حكومة محافظ خلال 14 عاماً، فإنّ هذه الانتخابات تعني نهاية حملة كانت صعبة للغاية.

غير أنّه حاول أخذ زمام المبادرة في نهاية مايو الماضي، من خلال الدعوة إلى انتخابات في يوليو بدل الانتظار إلى الخريف، كما كان مقرّراً. لكن الوقت كان كفيلاً إظهار ضعف حزبه وهشاشة موقفه.

في الأثناء، راكم المصرفي الاستثماري وزير المال السابق البالغ 44 عاماً عدداً من الأخطاء وبدا أنّه يفتقر إلى الفطنة السياسية، وانعكس ذلك من خلال تقصير فترة حضوره الاحتفالات بالذكرى الثمانين لإنزال النورماندي وتأخّره في الرد على الشكوك ضمن حزبه بشأن مراهنات على موعد الانتخابات.

وتضمّنت إستراتيجيته بشكل أساسي توجيه اتهام لحزب العمّال بالرغبة في زيادة الضرائب، ثمّ التحذير في الأيام الأخيرة من مخاطر «الغالبية الكبرى» التي من شأنها أن تترك حزب العمّال من دون قوة مضادة له، مقرّاً بذلك بهزيمة حزبه.

في مواجهته، سلّط ستارمر الضوء على أصوله المتواضعة، أي والدته الممرّضة ووالده العامل اليدوي، ما يتناقض مع خصمه المليونير.

ولتجنّب هجمات اليمين وتبديد وقع برنامج سلفه جيريمي كوربن الباهظ التكلفة، تعهّد إدارة صارمة للغاية للإنفاق العام، من دون زيادة الضرائب.

ويعوّل في هذا الإطار على استعادة الاستقرار وتدخّلات من قبل الدولة واستثمارات في البنية التحتية لإنعاش النمو، الأمر الذي من شأنه تصحيح وضع المرافق العامّة التي تراجع اداؤها منذ إجراءات التقشّف في أوائل العام 2010.

كذلك، يريد ستارمر أن يظهر حازماً في قضايا الهجرة وأن يقترب من الاتحاد الأوروبي، من دون الانضمام إليه. غير أنّه حذّر من أنّه لا يملك «عصا سحرية»، الأمر الذي ظهر أيضاً لدى البريطانيين الذين أظهرت استطلاعات الرأي أن لا أوهام لديهم بشأن آفاق التغيير.

ومع أنّ حذره دفع البعض إلى القول إنه قليل الطموح، إلّا أنّه سمح لحزب العمّال بالحصول على دعم في أوساط الأعمال وفي الصحافة اليمينية.

وبعد صحيفة «فاينانشال تايمز» ومجلّة «الإيكونوميست»، دعت صحيفة «الصن»، الأربعاء، إلى التصويت للعمّال.

وكتبت الصحيفة الشعبية، التي يملكها رجل الأعمال روبرت موردوخ والذي كان دعمه لحزب العمّال في العام 1997 حاسماً لفوز توني بلير، «حان وقت التغيير».

وكانت نماذج استطلاعات الرأي، توقعت أن يمضي حزب العمال نحو تحقيق واحد من أكبر الانتصارات الانتخابية في تاريخ بريطانيا، مع غالبية محتملة في البرلمان قد تتجاوز تلك التي حققها بلير أو مارغريت ثاتشر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي