رؤية ورأي

إلى المؤسسة العامة للرعاية السكنية

تصغير
تكبير

لديّ قناعة قديمة متواصلة بضرورة الاستعانة العاجلة بأنظمة تبريد الضواحي في المدن والمناطق السكنية بالكويت، كخيار إستراتيجي لمواجهة تحديات محلية متفاقمة عدّة، كارتفاع معدل وكمية استهلاك الكهرباء في أنظمة تكييف الهواء أثناء وخارج فترة الذروة، وللتعاطي مع عدد من التحديات الخارجية المتعلقة بتحصين وتحسين صورة الكويت في المجتمع الدولي، كالوفاء بالتزاماتنا تجاه الاتفاقيتين البيئيتين الأمميتين: حماية طبقة الأوزون وتغير المناخ.

ورغم تَرسُّخ هذه القناعة لديّ، ولدى العديد من المهندسين المتخصّصين في مجالات الطاقة المهتمين بالبيئة، إلا أنّني لم أتفاءل بمجمل التصريحات السابقة – منذ عام 2008 – الصادرة من قبل قياديين في وزارة الكهرباء والماء، وقياديين في المؤسّسة العامة للرعاية السكنية، بشأن قرب تطبيق تبريد الضواحي في إحدى المدن الجديدة آنذاك.

حيث إنني أوضحت في مناسبات عدة، كان من بينها مؤتمر تبريد الضواحي الذي عُقد في الكويت في عام 2011، الإيجابيات والسلبيات المقترنة بأنظمة تبريد الضواحي، والضرورات والمعوّقات أمام تطبيقها في المدن والمناطق السكنية في الكويت. وأخص بالذكر هنا معوّقين أساسيّين، هما غياب الجدوى الاقتصادية للمستثمرين والمستهلكين وتفاقم النهج النيابي الشعبوي والغوغائي.

فمن جانب، التكلفة الأولية لأنظمة تبريد الضواحي أعلى بكثير من تكلفة ما يعادلها من أنظمة التكييف التقليدية، وفترات الاسترداد – للمستثمرين والمستهلكين في مشاريع تبريد الضواحي – طويلة جداً، بسبب انخفاض تعرفة استهلاك الكهرباء في المرافق السكنية.

ومن جانب آخر، انشغلت الحكومات المتعاقبة بالتصدّي لمشاريع التأزيم السياسي واحتواء أعمال الشغب النيابي، على حساب التعاطي السديد مع العديد من الأفكار التنموية التي أعدّها أكاديميون وباحثون علميّون في مجالات اختصاصاتهم، من قبيل فرض تطبيق أنظمة تبريد الضواحي في المدن الجديدة، ثم في المناطق القائمة، التجارية منها قبل الاستثمارية والسكنية.

ورغم طول فترة الإحباط أو الانتظار، إلا أنّني اليوم متفاءل جداً بقدرة المؤسسة العامة للرعاية السكنية على تطبيق تبريد الضواحي في المدن والمناطق السكنية الجديدة التي سوف تتعاقد لإنشائها، وذلك استجابة لتوصية اللجنة العليا للطاقة، ووفق الإستراتيجية التي أعدّت قبل عامين للغرض ذاته، بتمويل من مؤسّسة الكويت للتقدّم العلمي.

فمن جانب، الحكومة تتمتّع اليوم باستقرار سياسي – طال انتظاره – وفّر لها بيئة عمل مناسبة للتعاطي المهني مع متطلبات التنمية الشاملة. ومن جانب آخر، تنفيذ المؤسّسة مشاريع تبريد الضواحي يعني تقليل التكلفة الأوّلية للمشاريع، لأنها سوف تنفّذ بالتناغم مع سائر أعمال إنشاء المناطق والمدن. كما يعني أيضاً مساهمة أو تحمّل ميزانية المؤسسة أو الحكومة كامل التكلفة الأولوية لمشاريع إنشاء أنظمة تبريد الضواحي أو على الأقل تكلفة إنشاء شبكات توزيع المياه الباردة الخاصة بتلك الأنظمة.

وهذا النهج مُربح لأطراف عدة. فهو مُربح للمستثمر والمستهلك عبر تقصير فترة الاسترداد الخاصة بانخراطهم واشتراكهم في مشاريع أو خدمات تبريد الضواحي، ومربح أيضاً للحكومة من خلال تقليل استهلاك الكهرباء، وتباعاً تخفيض ميزانية دعم استهلاك الكهرباء وميزانية إنشاء محطات وشبكات جديدة لتوليد ونقل وتوزيع الكهرباء.

ومن أجل تعميم فرض تطبيق أنظمة تبريد الضواحي – كخيار إستراتيجي – في جميع مشاريع المدن والمناطق الإسكانية المقبلة، تلك التي سوف تنشئها المؤسّسة وتلك التي سوف تنشئها الشركات التي سوف تؤسسها المؤسّسة، أدعو المؤسّسة إلى إعداد مشروع قانون بتعديل القانون رقم (118) لسنة 2023 بشأن تأسيس شركات إنشاء مدن أو مناطق سكنية وتنميتها اقتصادياً، لينص القانون صراحة على إلزامية تطبيق تبريد الضواحي في جميع المشاريع التي تُنفّذ وفق القانون ذاته. بحيث يتحمّل المستثمرون كامل تكاليف إنشاء وتشغيل أنظمة تبريد الضواحي، خصماً من مداخيل الفرص الاستثمارية المتاحة في المشاريع...

اللهمّ أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي