الكويت بلد المياه المهدورة

تصغير
تكبير

استمتعتُ كثيراً بمرافقتي لطلاب الجامعة الأسترالية في زيارتهم التي نظّمتها لهم جمعية المياه لمحطة أم الهيمان الجديدة لمعالجة مياه الصرف الصحي، والتي تم إنشاؤها بالمشاركة مع شركة إيفا للاستثمار.

وفي الحقيقة أن المحطة تعتبر مفخرة للكويت وذلك لمخططها العصري، ولما تضمه من معدات متطورة لمعالجة مياه الصرف الصحي، وبسعة قصوى تقارب 700.000 متر مكعب يومياً، وتمثل علامة مضيئة للتعامل والمشاركة مع القطاع الخاص وما يمكن أن يقدمه متى ما أُتيحت له الفرصة.

ومع ذلك، فإن إعجابي قد اصطدم بحائط من خيبة الأمل عندما علمت أن المحطة الآن وهي في وضع التشغيل التجريبي تنتج 300.000 متر مكعب يومياً إلا أنه لا تتم الاستفادة من هذه المياه ويتم ضخها في البحر عبر الأنبوب المخصص للطوارئ، وذلك ببساطة لأنه لم يتم الالتزام بالخطة الموضوعة لإنشاء عدد من الخزانات في مناطق مختلفة لاستقبال المياه المعالجة تمهيداً «لتوزيعها»، بالرغم من قرب موعد التشغيل الكامل والذي ستصل فيه كمية المياه المعالجة إلى 500.000 متر مكعب يومياً ثم 700.000 متر مكعب لاحقاً.

وأنا هنا أشدد على كلمة «توزيعها»، فإذا كنا لم ندرك حتى الآن أهمية تلك المياه ولم ننشء تلك الخزانات، فلنا أن نتخيل ضحالة الخطة الموضوعة لتوزيع تلك المياه واستخدامها مستقبلاً.

يجب قرع جرس الإنذار، فالعالم كله يتحدث عن نقص وندرة المياه، وأن الحرب المقبلة هي حرب المياه، وأن الكويت تأتي في مقدمة الدول التي تعاني من نقص الموارد المتجددة للمياه، يضاف إلى ذلك أن هناك أبعاداً اقتصادية هائلة لهذه المياه المهدورة، فبالرغم من أن الكويت تنتج حالياً أكثر من 1.200.000 متر مكعب من المياه المعالجة يومياً، وتستهدف الوصول إلى 2.000.000 متر مكعب يومياً، إلا أن الاستغلال الفعلي لهذه المياه يعتبر متواضعاً، ولا يخرج عن تزويد جزئي للمزارع في الوفرة والعبدلي ببعض احتياجاتها من تلك المياه، أو مساندة بعض أعمال الحفر لآبار النفط بكميات محدودة أيضاً، ما يحتم على شركة الحفر اللجوء لاستخدام مياه البحر المالحة والتي تتسبب في تآكل المعدات وانسداد الأنابيب، أو ضخ بعض الكميات المعالجة للمحميات الطبيعية.

كنت أتمنى أن تكون هناك إستراتيجية لاستغلال هذا المورد الثمين، فمثلا كان يمكن الاقتباس من تجربة المملكة العربية السعودية في التخطيط لإنشاء منطقة أو حتى مناطق مثل وادي حنيفة في الرياض والممتد على مسافة 120 كم، ويعتمد على المياه المعالجة، علماً بأن مشروع وادي حنيفة حاز جوائز عالمية عديدة باعتباره أفضل مشروع في العالم يعتمد على المياه المعالجة، أو أيضاً كان من الممكن أن نقتدي بمشروع شركة المراعي لزراعة الأعلاف في أريزونا في الولايات المتحدة لتغذية مواشيها، علماً بأن الظروف الجوية في أريزونا مطابقة لأجواء الكويت، وهذا يفتح المجال واسعاً في الكويت لإنتاج الأعلاف بكميات تجارية قد تكون أساساً للإنتاج الحيواني الموسع والذي يمكن أن يحقق الاكتفاء الذاتي للكويت، وهذه كلها أمثلة بسيطة لما يمكن أن تقدمه هذه المياه التي بخسنا قيمتها حتى وصل بنا الأمر إلى إلقائها بكل بساطة في البحر من دون أي نظرة مستقبلية جادة عن كيفية استغلالها.

ملاحظة: المتر المكعب = 264 غالوناً، أي أن كمية المياه المعالجة تعادل 316.800.000 غالون يومياً، لا تستغل الاستغلال الصحيح في أكثر بلد يعاني من الفقر المائي.

والله المستعان.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي