تجاذبات سياسية لتفادي سيطرة اليمين المتطرّف على الجمعية الوطنية

هزيمة ماكرون تؤذن بنهاية «الرئاسة الفائقة»

لوبان تتحدث إلى الصحافيين عقب انتصار الأحد (رويترز)
لوبان تتحدث إلى الصحافيين عقب انتصار الأحد (رويترز)
تصغير
تكبير

- ماكرون سيحاول استعادة مكانة في التاريخ وقد يحل الجمعية الوطنية بعد عام
- في حال وصول بارديلا إلى رئاسة الحكومة لم يعد لدى ماكرون سوى منع لوبان من الوصول إلى الإليزيه
- توسك يخشى من أن «تصبح فرنسا شوكة في خاصرة أوروبا»

دخلت فرنسا، أمس، أسبوعاً حاسماً من التجاذبات والمفاوضات السياسية بعد الجولة الأولى من انتخابات تشريعية تاريخية تصدرها اليمين المتطرّف بفارق كبير، فيما يبدو معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون عاجزاً عن اعتماد موقف واضح.

وبعد ثلاثة أسابيع من الزلزال السياسي الذي أحدثه ماكرون بإعلانه حلّ الجمعية الوطنية، صوّت الفرنسيون بكثافة الأحد في الجولة الأولى من الانتخابات التي تثير نتائجها ترقباً كبيراً في الخارج. وبلغت نسبة المشاركة في اقتراع الأحد 66,71 في المئة.

وحلّ التجمّع الوطني (يمين متطرّف) وحلفاؤه في طليعة نتائج الجولة الأولى من الاقتراع الذي أعقب الانتخابات الأوروبية، بفوزه بـ33,14 في المئة من الأصوات (10,6 مليون صوت).

وبذلك، تقدّم على الجبهة الشعبية الجديدة التي تضم اليسار (27,99 في المئة)، فيما جاء معسكر ماكرون في المرتبة الثالثة بفارق كبير (20,04 في المئة).

وطالب اليمين المتطرّف، الفرنسيين بمنحه غالبية مطلقة في الجولة الثانية.

وقال الرئيس الشاب للتجمع الوطني جوردان بارديلا (28 عاماً) مساء الأحد إنّ الجولة الثانية الأحد المقبل، ستكون «واحدة من الأكثر حسماً في مجمل تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة» التي تأسست في العام 1958.

وانتُخب 39 نائباً عن التجمّع الوطني في الجولة الأولى، بينما انتُخب 32 نائباً عن الجبهة الشعبية الجديدة.

من جهتها، قالت زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبان «نحن بحاجة إلى غالبية مطلقة».

وترأس لوبان كتلة نواب التجمّع الوطني في البرلمان، كما انتُخبت من الجولة الأولى في الشمال.

وفي حال أصبح بارديلا رئيساً للحكومة، ستكون هذه أول مرّة تقود فيها حكومة منبثقة من اليمين المتطرّف فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية.

في مطلق الأحوال، خسر ماكرون رهانه على حلّ الجمعية الوطنية بعد هزيمة كتلته في الانتخابات الأوروبية التي جرت في التاسع من يونيو.

في المقابل، تعهّد بارديلا الذي يطمح إلى أن يصبح رئيساً للوزراء، أن يكون «رئيس حكومة تعايش، يحترم الدستور ومنصب رئيس الجمهورية، لكنّه لا يساوم» في مشروعه الحكومي.

يبقى أنّ الانتخابات التشريعية قد تنتج تعايشاً غير مسبوق بين رئيس مناصر للاتحاد الأوروبي وحكومة معادية له، الأمر الذي يمكن أن يطلق شرارة خلافات في شأن صلاحيات رئيسي السلطة التنفيذية، خصوصاً في مسائل الديبلوماسية والدفاع.

وفي السياق، حذر رئيس الحكومة غابريال أتال من أنّ «اليمين المتطرّف بات على أبواب السلطة»، داعياً إلى «منع التجمّع الوطني من الحصول على غالبية مطلقة».

كذلك، أكد العضو اليساري في البرلمان الأوروبي رفاييل غلوكسمان أنّ «أمامنا سبعة أيام لتجنّب كارثة في فرنسا».

ودعت نحو مئة منظمة في فرنسا، من بينها جمعيات ونقابات، مساء الأحد إلى التصويت ضدّ التجمّع الوطني في الجولة الثانية.

ورأى فينسان مارتينيي، الخبير السياسي في جامعة نيس كوت دازور ومعهد بوليتكنيك، أن حل الجمعية الوطنية «من الخطوات الأكثر تهوراً في تاريخ الجمهورية الخامسة، مبنية على التوقعات الأكثر عبثية».

وقال «هذا يسرّع حقاً سقوط ماكرون، والعواقب بالنسبة له ستكون قاضية، إنه يخسر كلّ شيء».

شرعية خاصة

وطرح رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب نفسه بمثابة البديل، متهماً ماكرون بأنه «قضى على الغالبية الرئاسية».

ورأى وزير سابق أن هذه التطورات تؤذن بنهاية «الرئاسة الفائقة» التي ينتهجها ماكرون أسلوباً في الحكم منذ 2017.

وسواء اضطر ماكرون إلى التعايش مع رئيس وزراء من التجمع الوطني او التعامل مع غالبية موسعة أو مع حكومة من الخبراء، سيكون الوضع في مطلق الأحوال مختلفاً تماماً عما كان عليه من قبل.

فلن يعود يمسك بكل الصلاحيات طارحاً نفسه رئيساً للحكومة وزعيماً للغالبية ووزيراً في آن، يُصدر كلّ الإعلانات ويشرف على كل القرارات، بل سيكون لرئيس الوزراء المقبل شرعيته الخاصة.

ورأت ماتيلد فيليب غاي، أستاذة القانون العام في جامعة ليون 3 «إن كان المواطنون صوتوا لشرعية أخرى، فهذا يعني على الصعيد القانوني أنه خسر شرعيته».

وقال أحد أوائل الداعمين للرئيس الفرنسي «سيواجه فترة من الضعف، والسؤال المطروح هو إلى أي مدى سيدرك ذلك ويحسن التعامل معه».

«حياة مستحيلة»

ولفت إلى أن هذه التحولات في المشهد السياسي تجري كلها قبل شهر من دورة الألعاب الأولمبية، مبدياً مخاوف من أن تعم فرنسا فوضى وتظاهرات، فيما أنظار العالم موجهة إليها لهذه المناسبة.

وأوضح مسؤول وسطي أن ماكرون أبدى على مدى سبع سنوات ثقة في نفسه وفي مصيره، مضيفاً «انه يؤمن بأنه يبقى في الإمكان دائماً قلب الطاولة، وبأنه في الجوهر الشخص المؤهل للقيام بذلك».

وسيحاول حتماً استعادة مكانة في التاريخ حتى لا يحفظ منه فقط صفة رئيس ثاني قرار فاشل بحل الجمعية الوطنية بعد قرار جاك شيراك عام 1997.

وقالت ماتيلد فيليب غاي، «من الممكن أن يسعى لترميم صورته خلال عام، وبعدها يعيد حل (الجمعية الوطنية) بذريعة ما، لاستعادة غالبية مؤاتية أكثر»، إذ لا يمكنه حل الجمعية الجديدة قبل انقضاء 12 شهراً.

وبعدما انتخب عام 2017 ثم عام 2022 بناء على وعد بقطع الطريق على اليمين المتطرف، لم يعد لديه في حال وصول بارديلا إلى رئاسة الحكومة سوى خيار واحد، وهو منع لوبان من الوصول إلى قصر الإليزيه في 2027.

شوكة في الخاصرة

أوروبياً، تحدث رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، عن «اتجاه خطير» ومخاوف في القارة من أن «تصبح فرنسا في القريب العاجل شوكة في خاصرة أوروبا المعرضة لمواجهة بين القوى المتطرفة».

وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، «نحن بانتظار الجولة الثانية لكن تفضيلات الناخبين الفرنسيين واضحة إلى حدّ ما بالنسبة لنا».

قلق في مرسيليا وفرح في الشمال

«نريد فرنسا!» بتلك العبارة علق مؤيد لليمين المتطرف على تصدر التجمع الوطني نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية، غير أن أصداء هذا الانتصار عكست انقساماً، ما بين «قلق» في مرسيليا جنوباً من وصوله إلى السلطة و«فرح» في معقل زعيمته مارين لوبان في أقصى الشمال.

بعد صدور أولى التقديرات في الساعة السادسة مساء الأحد، والتي أظهرت تصدر التجمع الوطني بفارق كبير، عمت البهجة في هينان بومونت، معقل اليمين المتطرف وزعيمته لوبان التي أعيد انتخابها من الدورة الأولى.

مع بدء صدور هذه النتائج، هتف مناصروها بصوت واحد «مارين، مارين، مارين» في إحدى صالات هذه المدينة، المعقل السابق لليسار والتي يقودها اليمين المتطرف منذ عام 2014، تحت راية حزب الجبهة الوطنية ومن ثم حزب التجمع الوطني.

وتختلف الأجواء بشكل جذري على بعد نحو ألف كيلومتر. ففي الأحياء الفقيرة في مرسيليا، ثاني أكبر مدينة في فرنسا وموطن الهجرة، يخشى عدد كبير من السكان من وصول اليمين المتطرف إلى السلطة.

وقالت كوتارا التي صوتت للمرة الأولى بعد أن بلغت للتو 18 عاماً وترتدي عباءة ووشاحاً أزرق «لم آخذ الأمر على محمل الجد، ولكن الآن، كلما أشاهد الأخبار أجد أن الأمر خطير».

وكان أكبر نادي لمشجعي نادي أولمبيك في مرسيليا، والذي يستقطب عدداً كبيراً من سكان المدينة، حذر ما يقرب من 80 ألف شخص مرسيلياً الذين صوتوا لصالح جوردان بارديلا في الانتخابات الأوروبية من أن «هذا الوقت خطير».

وذكّر بأن «موجات الهجرة المتتالية أسست لشعب مرسيليا وهويته المتنوعة».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي