الانتخابات الإيرانية... بازشكيان أم جليلي؟
لا ينتخب الإيرانيون رئيسهم بسبب اعتقاده السياسي بل لشخصيّته ولِما يستطيع أن يقدمه وبجرأةٍ للشعب وإذا كان بإمكانه تحقيق ما يصبو إليه هؤلاء، خصوصاً بالنسبة للاقتصاد وتوفير مستوى معيشي معين.
ومن غير الضروري أن تتخطى نسبة الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية يوم الجمعة المقبل أكثر من النسبة التي وصلت إليها الدورة الأولى (40 في المئة) بل من المرجح أن تبقى ضمن مستوى مشاركة منخفضة، مع العلم أن هناك نسبة معينة من الذين يحق لهم الانتخاب (نحو 30 في المئة) لا ينتخبون أصلاً. ولكن، ما الذي يحتاج إليه أياً من المرشحيْن للوصول إلى السلطة؟ وهل أصوات التقليديين ستؤمن بسهولة وصول سعيد جليلي بدل مرشح المعتدلين مسعود بازشكيان؟
الجواب هو كلا. إذ ليس بالضرورة أن مَن انتخب المرشحين التقليديين مثل محمد قاليباف الذي حصل على 3.383.340 صوتاً سينتخب جليلي الذي حصل على 9.473.298 لينتصر على بازشكيان الذي نال 10.415.191 صوتاً.
فالسباق بين الشيخ هاشمي رفسنجاني ومحمود أحمدي نجاد عام 2005 في الدورة الثانية كان شبه محسوم لرفسنجاني الذي خسر لمصلحة أحمدي نجاد لأن الأصوات التي صبّت للمعتدلين الآخَرين لم تذهب إلى المرشح المعتدل.
وتالياً فإن الشعب الإيراني لديه إرادة خاصة به تَعتمد على قناعة الفرد وقدرة المرشح بالإقناع من خلال شخصيته وبرنامج عمله ومشاريعه المستقبلية.
وقد نُظمت الانتخابات الإيرانية في وقت قياسي وخلال 50 يوماً، التزاماً بما نص عليه الدستور بعد الغياب القسري للرئيس إبراهيم رئيسي الذي توفي في حادث اصطدام مروحيته بجبل أثناء عودته إلى تبريز.
ومن المفترض أن تؤمّن المناظرة المقبلة للمرشحيْن فرصة ليُظْهِر كل منهما برنامجه اعتماداً على نتائج الدورة الأولى وعلى استقطاب عدد أكبر من الناخبين الذين يبلغ إجمالهم 64 مليوناً ولم يَنتخب منهم سوى 24 مليوناً. ويبحث الناخبون عن الشخص الذي يملك الجرأة والابتكار وعن تقييم الخيارات المتاحة له خصوصاً بعدما خسر التياران دعم عدد كبير من المجتمع الإيراني.
فالتيار المحافظ كان يحصد نحو 17 إلى 20 مليوناً في الانتخابات السابقة، ولم تصوّت له الأقليات في المحافظات مثل كردستان وخوسستان وبلوشستان. كما خسر التيار الإصلاحي ملايين الأصوات خصوصاً أن ممثلهم الرئيس محمد خاتمي وداعمهم محمد جواد ظريف فشلا في حشد العدد الكافي للحصول على النصف زائد واحد في الدورة الأولى وتحقيق الفوز المطلوب.
وقد دخل وزير الخارجية السابق ظريف في خضم الانتخابات بتغريدة قال فيها إنه يدعم بازشكيان وإن الوقت حان لإنهاء «العقوبات والخصومة والعزلة».
ولكن الشعب الإيراني يعلم أن أقصى العقوبات فُرضت أيام حكم الرئيس حسن روحاني ووزيره ظريف وأن رفع العقوبات ليس بيد إيران بل أميركا التي تطلب خضوع «الجمهورية الإسلامية» لها. لذلك فإن شعاراتٍ غير مُقْنِعة وتَجذب النخبة لا تُقْنِعُ الناخبَ الإيراني الذي لا تشدّه وعودٌ يصعب تحقيقها. وتالياً فإن المقترع الإيراني يبحث عن مرشح يحمل خطاباً قادراً على إقناع الشباب بعيداً من الشعارات الرنانة من أي جهة.
وتالياً، فإن الـ 30 في المئة أو الـ 60 في المئة الباقية التي لم تَنتخب تبحث عن موقف بعيداً عن الوسط وتحبّذ خطاباً هجومياً أقوى وأشد تحدياً، خصوصاً بين المعتدلين.
فأفكار جليلي وحاضنته الشعبية وبرنامجه واضح لا لبس فيه، وهو مؤيّد «للجمهورية الإسلامية» ولعدم التذلل للغرب. ومن هنا فإن الناخبين الرماديين الذين يمثلون الثقل الأكبر ليسوا بالضرورة أقرب للإصلاحيين ولا لخطاب معتدل لأن ذلك كان من شأنه أن يعطيهم الرئاسة منذ الدورة الأولى.
وتبقى المنازلة التلفزيونية التي ينتظرها الإيرانيون المهتمون بالانتخاب لأن من شأنها تحديد أداء ووعود المرشحيْن وإمكان إقناع الناخبين بما سيتباريان من أجله يوم الجمعة المقبل.
ومن المؤكد أن الوضع الاقتصادي - وليس السياسة الخارجية – يمثل الأولوية للإيرانيين. وبسبب انعدام الثقة بإحداث تغيير كبير في الوضع الحالي، فإن من المرجح ألّا تتأثر الفئة الرمادية كثيراً. ويبقى التحدّي بعد أيام قليلة لترتسم معها هوية الرئيس الإيراني المقبل.