اتجاهات

التداعيات الخطيرة للتحالف الروسي - الكوري

تصغير
تكبير

عزّزت كل من روسيا وكوريا الشمالية علاقاتهما التاريخية الوثيقة إلى تحالف عسكري عبر شراكة إستراتيجية شاملة خلال الزيارة التي قام بها بوتين لكوريا الشهر الماضي. وتضمن التحالف العسكري الدفاع المتبادل المشترك ضد التهديد المشترك، وتوطيد التعاون النووي. فضلاً عن تعزيز التعاون في مجالات أخرى عدة غير عسكرية في سياق اتفاق الشراكة الشاملة.

ويشكّل التحالف الروسي - الكوري تطوراً خطيراً ذات أبعاد ومستويات إقليمية ودولية. لا جدال أن الحرب الروسية - الأوكرانية تمثل الدافع الرئيسي لروسيا بوتين لتوطيد التحالف مع كوريا الشمالية. فالأخيرة من الداعمين الرئيسيين لروسيا في الحرب عسكرياً وديبلوماسياً. وهو ما يشير بصورة لا لبس فيها أن تلك الحرب تتجه إلى مسار تصعيدي خطير وشائك. لا سيما في ضوء تصاعد الدعم الغربي العسكري لأوكرانيا بعد تردد طويل، بينما تواجه روسيا مشكلة في إمدادات الذخيرة. حيث تسير لعبة الحرب بين روسيا والغرب في سياق حرب الاستنزاف.

وبالنسبة لكوريا الشمالية، يعزّز التحالف من قوة ترسانتها النووية والصاروخية، كما يخفف من العزلة التي تعاني منها، ومن وطأة التعويل المزمن على الصين. وهذا بدوره سيحفز من السباق النووي في شبه الجزيرة الكورية في مواجهة التحالف النووي القوي بين روسيا وكوريا. إذ تفكر بعض القوى الآسيوية وعلى رأسها اليابان في امتلاك سلاح نووي رادع ضد الصين وكوريا الشمالية، بعدما برهن الغزو الروسي لأوكرانيا على فعالية هذا السلاح في تقويض الإرادة الغربية، كما أثبت في الوقت عينه فشل الرهان على مظلة الحماية النووية الأميركية التي توفرها للحلفاء، والتي بدورها كانت السبب الرئيسي في الحد من الانتشار النووي في العالم.

تحالف شامل بين روسيا وكوريا الشمالية سيؤدي بدوره إلى إضعاف القوى الغربية والكثير من أسلحتها خاصة سلاح العقوبات. وهذا سيؤدي أيضاً إلى المزيد من زعزعة الاستقرار خاصة في آسيا. بهذا التحالف القوي تستطيع الدولتان تحدي العقوبات الغربية، والعزلة، وإجبار الكثير من حلفاء الغرب كالهند على سبيل المثال على التعاون معهما، بل حتى إجبار الصين-المتضررة بالطبع من هذا التحالف - على الميل نحو الدولتين على حساب التقارب مع الغرب.

ولعل الولايات المتحدة قد تكون أكثر من المتضررين من هذا التحالف، حيث يشكل قوى مقاومة فعالة لمواجهة تحالفات واشنطن في الباسفيك، لاسيما تحالف كواد الرباعي وتحالف أوكوس النووي. وبالمناسبة، يخدم ذلك الصين بصورة كبيرة حيث إن تلك التحالفات موجهة ضد الصين في المقام الأول، لكن على المدى الطويل، يمثل ذلك التحالف تحدياً للقيادة الصينية في جنوب شرقي آسيا. فالصين تريد حلفاء مساندين وليس حلفاء متحدين.

وعلى إثر ذلك، ستواجه واشنطن تحدياً مضاعفاً في الباسفيك الصين والتحالف، ما يضعف قوتها وخططها الإستراتيجية هناك، ويضطرها في الوقت ذاته إلى بذل المزيد من الجهد والموارد لتقوية التحالفات وتشكيل أخرى. وفي المحصلة النهائية هو عسكرة متضخمة وتهديد نووي ملح في الباسفيك.

خلاصة القول، اختارت كل من روسيا وكوريا الشمالية التوقيت والسياق الصح للتحالف. فكلتا الدولتين في أشد الحاجة لبعضهما البعض، ويتوفقان تماماً على أهداف إستراتيجية عدة من أهمها كسر الإرادة الغربية. وعلى ذلك، يعكس هذا التحالف بجلاء، تراجع الهيمنة الأميركية ونظام دولي تعددي متقلب صراعي للغاية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي