الرئيس الفرنسي يدفع غالياً ثمن رهانات الانتخابات المبكّرة... واليمين لا يدعو إلى التصويت ضد التجمع الوطني في الدورة الثانية

يمين ​فرنسا المتطرف... «سحقنا معسكر ماكرون»

ماكرون... إلى أين يقود فرنسا؟ (رويترز)
ماكرون... إلى أين يقود فرنسا؟ (رويترز)
تصغير
تكبير

دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، غالياً ثمن الرهانات على الانتخابات التشريعية المبكرة، حيث تصدر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وحلفاؤه نتائج الدورة الاولى، حاصداً أكثر من 34 في المئة من الاصوات، بحسب تقديرات أولى، ما يفتح الطريق أمام اليمين المتطرف للوصول إلى السلطة بعد أسبوع.

وأشارت النتائج التي أعلنت عنها محطة «بي.إف.إم» الإخبارية إلى أن التحالف اليساري (الجبهة الشعبية الجديدة) حصل على المركز الثاني بنسبة 5ر28 (ما بين 115 و145 مقعداً)، فيما جاء ائتلاف ماكرون بالمركز الثالث بنسبة 3ر20 في المئة (ما بين 90 و120 مقعداً).

وبهذا الفوز الساحق يتمكن اليمين المتطرف من الحصول على غالبية عدد المقاعد التي تتراوح بين 260 و310 والغالبية المطلقة المطلوبة في البرلمان 289 مقعداً من أصل 577.

وفي حين دعا ماكرون الى «تحالف ديموقراطي وجمهوري واسع» في الدورة الثانية من الانتخابات في مواجهة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، اعتبرت زعيمة التجمع مارين لوبان، أن «معسكر ماكرون تم محوه عملياً». وأكد اليمين الفرنسي، انه لا يدعو الى التصويت ضد اليمين المتطرف في الدورة الثانية.

وقال ماكرون في تصريح مكتوب إن «المشاركة الكبيرة في الدورة الاولى (...) تظهر أهمية هذا التصويت بالنسبة الى جميع مواطنينا، وإرادة توضيح الوضع السياسي»، مضيفاً «في مواجهة التجمع الوطني، إنه الآن وقت تحالف واسع (يكون) بوضوح ديموقراطياً وجمهورياً في الدورة الثانية».

في المقابل، قالت لوبان التي انتخبت نائبة عن دائرتها في الشمال إن الفرنسيين اظهروا «ارادتهم لطي صفحة سبعة أعوام من حكم الازدراء والتآكل» لماكرون، داعية الفرنسيين الى منح حزبها التجمع الوطني «الغالبية المطلقة».

ومنذ الثامنة صباحاً، بدأ الناخبون البالغ عددهم 49.5 مليون شخص بالتدفق بكثافة غير معهودة على مراكز الاقتراع، في إطار الجولة الأولى من الانتخابات لاختيار نوابهم من بين 4011 مرشحاً، لولاية من خمس سنوات.

علماً أن مراكز الاقتراع بقيت مفتوحة في العاصمة باريس وفي المدن الكبرى حتى الثامنة مساء، الأمر الذي تفسره التحديات الكبرى التي ستفرض نفسها على البلاد.

وبانتظار الجولة الثانية، الأحد المقبل، التي سترسم كلياً صورة المجلس النيابي الجديد والتوازنات السياسية الجديدة، يبدو واضحاً، أن الفشل الأكبر تجرعه «ائتلاف الوسط» المشكل من الأحزاب الثلاثة «تجدد»، و«الحركة الديموقراطية»، و«هورايزون» الداعمة لماكرون وعهده.

ذلك أن الائتلاف ظهر بصورة «الحلقة الأضعف» من بين المجموعات السياسية الثلاث، اليمين المتطرف الممثل بـ «التجمع الوطني»، وتحالف أحزاب اليسار والخضر تحت اسم «الجبهة الشعبية الجديدة» وائتلاف الوسط، الذي يهيمن على الانتخابات المبكرة.

وفي مكاتب الاقتراع، لم يخف عدد كبير من الناخبين قلقهم حيال هذه الانتخابات المبكرة التي دعا اليها ماكرون ليل التاسع من يونيو، عقب النتائج الهزيلة التي حصل عليها داعموه في الانتخابات الأوروبية، فيما يسود إجماع داخل الطبقة السياسية بأن الرئيس الفرنسي «ارتكب خطأً سياسياً كبيراً» بإقدامه على حل الجمعية الوطنية، وأنه قام برهانات خاسرة سيكون هو وحزبه أول من سيدفع ثمنها.

وفي السياق، ذهب الرئيس السابق فرنسوا هولاند إلى أن «الماكرونية السياسية قد انتهت»، بينما اتهم رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب، ومن أكثر الشخصيات السياسية شعبية في فرنسا، ماكرون بـ«القضاء على الأكثرية»، ووصف حل البرلمان بـ«العمل المتهور».

ونقلت صحيفة «لوموند» المستقلة عن مستشاره الإعلامي السابق غاسبار غانتزر، ان «التاريخ سيحاكم ماكرون، وإذا فاز اليمين المتطرف بالسلطة، فسيعده المسؤول عن ذلك».

ولم تتردد مجلة «دير شبيغل» الألمانية، في تقديم تحليل تحت عنوان «هل ستسقط فرنسا؟ كيف قدم ماكرون فرنسا إلى اليمين المتطرف»؟

وسبق للمستشار الألماني أولاف شولتس ولغيره من القادة الأوروبيين التعبير عن قلقهم إزاء الوضع السياسي في فرنسا وما ستسفر عنه الانتخابات، التي من شأنها قلب التوازنات السياسية في الاتحاد الأوروبي، وتهشيم العلاقة الخاصة القائمة بين باريس وبرلين، لا بل تهديد المشروع الأوروبي.

«المُساكنة»

وبهذه الهزيمة المريرة، لن يكون من مفر لماكرون سوى استدعاء رئيس الحزب الفائز لتشكيل حكومة جديدة، بحيث تصبح السلطة التنفيذية، برأسين في إطار «المساكنة» بين رئيس للجمهورية من فريق، وحكومة من فريق آخر.

وفي حال وصل حزب التجمع الوطني برئاسة جوردان بارديلا (28 عاماً) إلى رئاسة الحكومة، فستكون هذه المرة الأولى التي تحكم فيها فرنسا حكومة منبثقة من اليمين المتطرف، منذ الحرب العالمية الثانية.

وخلاف ذلك، ثمة خطر حقيقي يكمن في أن تكون لفرنسا جمعية وطنية متعثرة من دون احتمال تشكيل تحالفات بين معسكرات شديدة الاستقطاب، وهو ما يهدد بإدخال فرنسا في المجهول.

ويواجه معسكر الغالبية الرئاسية الحالية أكبر قدر من الضغوط، بعدما انتخب ماكرون رئيساً في 2017 و2022 متحصّناً بضرورة تشكيل حاجز أمام اليمين المتطرف.

وتجري هذه الانتخابات بعد سنتين لم يكن خلالهما للتكتل الرئاسي سوى غالبية نسبية في الجمعية الوطنية.

ومع تقدم التجمع الوطني، أوروبياً، تسارعت الأحداث دافعة الرئيس إلى اتخاذ خيارات تضعه أمام سيناريو «تعايش» مع بارديلا.

وعرفت فرنسا في تاريخها الحديث ثلاث فترات من التعايش بين رئيس وحكومة من توجهات مختلفة، في عهد فرنسوا ميتران (1986 - 1988 و1993 - 1995) وفي عهد جاك شيراك (1997 - 2002).

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي