«الراي» استطلعت توجّهاتهم وتحدّثت إلى المرشح بينهم عن اليمين الجمهوري

في الانتخابات التشريعية... أصوات اللبنانيين - الفرنسيين إلى مَن؟

تصغير
تكبير

فتحت فرنسا صناديق الاقتراع اليوم الأحد لانتخاباتٍ تشريعيةٍ مبكّرة فرَضها «هدير» نتائج الانتخابات الأوروبية وما شكّلتْه من صدمة وخيبةٍ للوسط الفرنسي وحزب الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.

وتَشغل هذه الانتخابات التي تُعتبر من الأكثر جدلاً في تاريخ فرنسا الحديث اللبنانيين الذين يحملون الجنسية الفرنسية والفرنسيين من أصل لبناني الواقعين في حال ارتباك وحيرة.

فبعد فوز اليمين المتطرف في أوروبا انقسمتْ آراء هؤلاء وازدادت المخاوف. فلبنان الذي كان حتى اليوم يرى في فرنسا «الأم الحنون»، يجد نفسه على مفترق طرق بين يمين متطرّف قد تنعكس طروحاته العنصرية الحادة عليه سلباً، ويسار لم يكن يوماً حليفاً له، ووسطٍ ضعيف لا تبدو حظوظه باستعادة دوره كبيرة.

في لبنان كما في فرنسا وفي بلدان الانتشار والخليج وافريقيا، اللبنانيون الفرنسيون يتأهّبون للمشاركة في الانتخابات التشريعية الفرنسية في دورتها الأولى اليوم الأحد في ظروف أقلّ ما يقال فيها إنها استثنائية ودقيقة وتشكّل نتائجها بلا شك انعطافةً في السياسة الفرنسية الداخلية والخارجية. واللبنانيون الفرنسيون يَنتخبون وفق معياريْن: الوضع الداخلي الفرنسي والوضع السياسي اللبناني، وكلاهما يشغل بالهم. فهم الذين اختاروا بملء إرادتهم أن يكونوا أبناء «الحرية والمساواة والأخوة» لا يستطيعون التنكّر للأفكار الديموقراطية التي آمنوا بها ولمصالح فرنسا التي احتضنتْهم، وفي المقابل لا يستطيعون التعامي عن صرخات الاستغاثة التي يطلقها لبنان لإنقاذه من فراغه الرئاسي وإبعاد التهديداتِ بالحرب الكبرى التي يلوح شبَحُها من الجنوب. فالى مَن تميل دفة اللبنانيين الفرنسيين انتخاباً وترشّحاً؟

الانتخابات الأوروبية

يؤكد المتابعون للوضع الفرنسي أن الانتخابات التشريعية الفرنسية لن تعكس بالضرورة نتائج الانتخابات الأوروبية، فاللبنانيون الذين صوّتوا أوروبياً لليمين المتطرف إنما صوّتوا كسواهم من الأوروبيين ضد موجات الهجرة واللجوء التي تشهدها أوروبا وما تَتَسَبَّب به من تراجع اقتصادي ومشاكل اجتماعية. أما في الانتخابات التشريعية فهم تاريخياً يميلون في غالبيتهم إلى اليمين كما يقول الكاتب والخبير في الشؤون الدولية المقيم في فرنسا سمير سكاف «ولكن مع ضعف اليمين التقليدي في فرنسا، فإن قسماً كبيراً منهم سيتّجه للتصويت الى التجمع الوطني بقيادة مارين لوبين وسيتأرجح توجههم بين اليمين التقليدي واليمين المتطرف»، موضحاً أنه «قليلاً ما يعطي اللبنانيون أصواتهم لليسار في فرنسا رغم كون الجبهة الشعبية أو تكتل الأحزاب اليسارية الذي نشأ لمواجهة اليمين المتطرف يحظى بالشعبية نظراً لكون بعض أحزابه مُسانِد لغزة ولكونه يقترح في طروحاته وقفاً فورياً لإطلاق النار في القطاع ووقف الدعم الفرنسي لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة»، ومضيفاً: «لا يختلف عادةً تصويت اللبنانيين المقيمين في فرنسا عن أولئك المقيمين في لبنان، فالاتجاه العام هو لليمين في العادة لكنهم حتماً لن يصوّتوا للرئيس الحالي إيمانويل ماكرون».

حزب رئيس الجمهورية

اعتاد اللبنانيون الفرنسيون التصويت لمصلحة حزب رئيس الجمهورية كما يشرح لـ «الراي» د.حكمت الحسيني المتابع عن كثب لشؤون الأطباء اللبنانيين الذين يحملون الجنسية الفرنسية «لأن ذلك يُشْعِرُهم بالاطمئنان عادةً، وهم صوّتوا في الانتخابات السابقة للرئيس ماكرون، وحتى اليوم لا تزال فئةً منهم تفضّله على باقي المرشحين رغم تَراجُعٍ كبير في شعبيته بينهم. ويتخوّف اللبنانيون الفرنسيون من اليمين المتطرف ولا يعرفون ماذا ينتظرون منه أو القرارات التي يمكن أن يتخذها بحق المهاجرين عموماً والتي قد تنعكس سلباً عليهم».

إعادة فرنسا إلى صوابها

وتقول السيدة بعقليني التي تحمل الجنسية الفرنسية منذ ثلاثين عاماً لكنها تعيش في لبنان إن مارين لوبين لا تعنيها «وطروحاتها المتطرفة قد تتسبّب بحرب أهلية في فرنسا بين المسيحيين والمسلمين المهاجرين كما حصل في لبنان»، ومن هنا هي تفضّل انتخاب مرشح من اليمين الجمهوري «لأن هذا الحزب قادر على إعادة فرنسا الى صوابها ومنْع الجنون الحاصل فيها حالياً والذي لا يمكن أن تُحمد عقباه».

لكن بعقليني تؤكد أن ولديْها الشابيْن اللذين أنهيا دراستهما الجامعية في مدينة مونبولييه الفرنسية يؤيدان حزب الجبهة الوطنية الذي تترأسه مارين لوبين وسيصوّتان لمرشحته ذات الأصول العربية «يمينة فيو» لأن«الوضع لا يمكن أن يستمر على ما هو في المدينة التي باتت تعاني الفقر والبطالة والحوادث الأمنية المتكررة».

الحرب على غزة

الحرب على غزة تُعتبر ناخباً كبيراً بالنسبة لفئة من اللبنانيين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية بعد المجازر والانتهاكات الكبرى التي طاولت الفلسطينيين في غزة. ويقول باسم وهو شاب لبناني حصل على جواز سفره الفرنسي مؤخراً بعد دراسته في جامعة فرنسية: «لا يمكن للبنانيّ عاقل أن يؤيّد حزباً يمينياً يؤكد زعيمه جوردان بارديلا صراحةً أنه لن يعترف بدولة فلسطين إذا فاز في الانتخابات النيابية لأن ذلك يعني «الاعتراف بالإرهاب». وينطبق الأمر ذاته على كل الأحزاب المتحالفة معه. ولذلك سيكون تصويتي لليسار وللجبهة الشعبية وتحديداً لحزب «فرنسا الأبية» الذي يترأسه ميلنشون لأنه الوحيد الذي رفض العدوان الإسرائلي على غزة وطالب بوقف إطلاق النار وبسلامٍ مُنْصف للفلسطينيين».

الحذر من اليسار

لكن ومن جهة أخرى فإن اللبنانيين الذين بنوا مصالح لهم في فرنسا وبات عدد كبير منهم يعمل في مجال المال والأعمال يَبقون حذرين من اليسار وفق ما تقوله السيدة اندريه اشجيان «ومن طروحاته الشعبوية المتطرفة ولا سيما على الصعيدين المالي والاقتصادي الأمر الذي قد ينعكس سلباً على مصالح اللبنانيين». وتضيف انها ستصوت لحزبrenaissance أي لحزب الرئيس ماكرون «لأنه الأضمن والحلّ الوسط بين اليسار وأقصى اليمين». لكنها لا تنكر أن المُقيمين في فرنسا من أصول لبنانية من أصدقائها ومعارفها يميلون للتصويت الى بارديلا اليميني المتطرّف حتى في الأوساط الشبابية وكأنه «ترند» يتبعه الشباب من دون تفكير معمق.

مرشحون لبنانيون

على أن اهتمامَ اللبنانيين لا يتوقف على التصويت في الانتخابات التشريعية الفرنسية بل ثمة مرشحين لبنانيين لهذه الانتخابات. «الراي» التقت بالمرشح لوكا لمع، وهو صاحب منصة Beiruting التي تُعنى بتغطية كل النشاطات الاجتماعية والفنية في لبنان.

ولمع، رغم نشاطه وحضوره اللافت في لبنان، هو ناشط بشدة على الصعيد الفرنسي السياسي وقد انتُخب سابقاً مع زميل له كمستشار قنصلي في لبنان وسورية فازداد بذلك معرفةً بمتطلبات اللبنانيين الفرنسيين واحتياجاتهم.

ويقول لوكا لمع إنه يترشّح عن القطاع العاشر أي عن الفرنسيين المقيمين خارج فرنسا «وهو أكبر دائرة انتخابية ويضمّ 49 بلداً بينها الشرق الأوسط وأفريقيا ما عدا المغرب العربي. ويضم لبنان بين هذه الدول أكبر عدد من الناخبين، تليه الإمارات ومن ثم بلدان الخليج التي تضم الكثير من اللبنانيين الفرنسيين». ولمع هو المرشح اللبناني الوحيد كمرشح أساسي وليس رديفاً كما جرت العادة سابقاً، ولم يسبق لحزب سياسي فرنسي كبير أن أُنزل باسمه نائب أصيل في هذا القطاع العاشر.

أصوات اللبنانيين «حرزانة» رغم عدم وجود احصاءات دقيقة لأعداد الناخبين «إلا أن التقديرات تشير بحسب انتخابات 2022 أن عددهم يراوح بين 105000 و110000 ناخب وأنهم يشكلون 90 في المئة من أصوات الناخبين الفرنسيين في هذا القطاع أي المقيمين خارج فرنسا، ويُتوقّع أن تصل نسبة التصويت بينهم الى 30 في المئة».

ويقول لوكا: «ثمة العديد من النقاط التي تلعب لمصلحتي، أوّلها أنني الممثل الوحيد لليمين الفرنسي الوسطي أي أنني مرشح مدعوم من حزب كبير فيما باقي المُنافِسين إما من المستقلين أو من اليمين المتطرف، وبعضهم أُنزل بالمظلة على غفلة مثل النائبة الحالية لماكرون. وحتى اليوم لم يستطع اليمين المتطرف أن يوصل مرشحاً في هذا القطاع الى الندوة البرلمانية».

يرى لمع ومن خلال خبرته في السياسة الفرنسية «ان الفرنسيين صوّتوا في الانتخابات الأوروبية تصويتاً احتجاجياً، وصوّتوا لفكرةٍ وليس لواقع، ولكن مع انتهاء هذه الانتخابات فإن كل فرنسي يعرف أن النائب هو الذي يدافع عنه يومياً ويلاحق ملفاته ومشاكله أي أنهم سيصوّتون لشخص وليس لأفكار. من هنا يرجح أن تكون الانتخابات التشريعية الفرنسية مختلفة في نتائجها عن الانتخابات الأوروبية».

ويضيف: «أمثّل اليمين الجمهوري أي حزب جاك شيراك وساركوزي، وهو الحزب اليميني الوحيد الذي أراه قادراً على الحُكْم اليوم، في حين أن الأحزاب المتطرفة اليسارية أو اليمينية ليست قادرة على ذلك، فهي غارقة في الديماغوجية والشعبوية وليست قادرة على تنفيذ طروحاتها ولا حتى على تمويلها، لأنها طروحاتٌ غير واقعية ويمكن أن تُغْرِق الجمهورية السادسة بالفوضى. قد يأتي اليمين المتطرف بأصوات أكثر ولكن هل يضمن مَن يملكون جنسية مزدوجة لبنانية - فرنسية أو سواها ألا يقر اليمين قانوناً يمنع حمل جنسيتين في وقت واحد؟ ماذا يفعل اللبنانيون حينها؟ عن أي جنسية يتخلون؟».

من جهة أخرى يقول المرشح لوكا لمع «إن الرئيس ماكرون فشل في الحُكْم وزاد دَيْن فرنسا إلى ألف مليار يورو، كما انخفض تصنيفُها المالي، ولذلك فإن الناخبين الفرنسيين لم تَعُد لديهم ثقة بماكرون ولا سيما اللبنانيين الفرنسيين الذين اكتشفوا أن كلامه مجرد كلام ولم يستطع تنفيذ أي شيء منه في ما خص لبنان، وبسبب ذلك تَبَدَّلَ رأيُهم وعاطفتُهم في شأنه».

«اليوم الحزب الجمهوري هو الوحيد القادر على حُكْم فرنسا بطريقة طبيعية» بحسب لمع «والمقيمون في لبنان من فرنسيين ولبنانيين فرنسيين هم أصحاب أعمال وشركات ويلحقون مصالحهم». ويضيف «ان سياسة ماكرون في إفريقيا أثّرت سلباً بشكل كبير على الفرنسيين الذين باتوا مضطهَدين هناك بعدما كانت إفريقيا تشكل الحديقة الخلفية لفرنسا». ويتابع: «في القطاع العاشر الذي تعاني بلدان كثيرة فيه من مشاكل، الناسُ بحاجة لمَن يدافع عنهم وعن مصالحهم وليس لمرشحٍ صُوِري. هم بحاجة الى شخص قادر على تغيير صورة فرنسا بعد الأعوام الأخيرة وإعادة الألق إليها».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي