انتخابات اليوم في إيران... هل من تغيير؟
تتطلع إيران للاستحقاق الرابع عشر للانتخابات الرئاسية التي فرضتْها ظروف مقتل رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي بحادث تحطُّم مروحيته عندما كانت متجهة إلى تبريز بسبب سوء الأحوال الجوية واصطدام مقدمتها بسفح جبل.
وبدأ التنافس بين المرشحين في ظل تحديات إقليمية ودولية واقتصادية لاختيار الرئيس التاسع لإيران. وهذا المشهد حدث قبل أوانه، وهذه ليست المرة الأولى منذ قيام الجمهورية الإسلامية بعد عزْل رئيس الوزراء أبوالحسن بني صدر الذي حَكَمَ بضعة أشهر وكذلك محمد علي رجائي الذي اغتيل بعد 4 أسابيع من تسلُّمه الرئاسة.
وتبقى المنافسة على أشدّها بين المرشح الإصلاحي، الذي من الممكن أن يفوز فقط إذا لم يَنسحب أقوى المرشحين التقليديين في الدورة الثانية المتوقَّعة لصالح مرشح تقليدي واحد له حظوظ كبيرة بالفوز إذا وجد نفسه من دون منازع من التوجه نفسه حتى ولو كان ذلك يوم الانتخابات.
ويتسابق على مركز الرئاسة محمد باقر قاليباف وأمير حسين قاضي زاده هاشمي (الذي أعلن انسحابه) وسعيد جليلي ومصطفى بورمحمدي وعلي رضائي زاكاني (انسحب) والمرشح الإصلاحي مسعود بازشكيان.
وقد أظهرت استطلاعات أخيرة أن ثلاثة مرشحين يملكون الأصوات الأكبر من الناخبين (بازشكيان وجليلي وقاليباف)، ما يفرض انسحاب أكثر المرشحين ليبقى السباق ضمن مرشحيْن اثنيْن في الدورة الثانية (بعد إعلان عدم انسحاب جليلي وقاليباف) إذا أراد التقليديون الفوز في الانتخابات.
ويُعد قاليباف أحد أشهر السياسيين الإيرانيين الذي يترأس مجلس النواب بعد أن كان قائداً للقوات الجوية في الحرس الثوري ومن ثم قائداً للقوات الأمنية.
كذلك يُعتبر جليلي من المحافظين الذي خدم كممثل للولي الفقيه السيد علي خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي وأحد المحاربين القدامى في الحرب ضد صدام حسين ومسؤول المفاوضات الإيرانية بشأن القوة والمعرفة النووية.
وكان جليلي انسحب من سباق الرئاسة لمصلحة رئيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ليساهم بفوزه.
أما بازشكيان، فهو طبيب جراح شَغَل منصب وزير الصحة في عهد الرئيس محمد خاتمي وهو الأوفر حظاً بالرئاسة إذا لم ينسحب قاليباف أو جليلي لمصلحة أحد منهما كي لا تتشتت الأصوات التي تصبّ داعمة للتقليديين.
ولا يغيب عن جميع المرشحين الملف الداخلي الاقتصادي المرتبط بالسياسة الخارجية والعقوبات الأميركية على إيران منذ عام 1980 والتي اشتدت كلّما تسلّم رئيس البيت الأبيض ليتوّجها الرئيس السابق دونالد ترامب بـ «أقصى العقوبات» من دون أن يُثْني ذلك إيران عن إكمال برنامجها النووي وتحدّي أميركا برفْع مستوى التخصيب إلى 60 وزيادة مخزونها من اليورانيوم ومستوى أجهزة التخصيب المتطورة إلى أقل بقليل من 5000 جهاز.
ولكن ما الفارق للغرب بالنسبة لرئيس إصلاحي أو تقليدي؟
لقد حكم إيران رؤساء إصلاحيون اعتبرهم الغرب «أقل تشدداً وأكثر انفتاحاً».
فمنذ حكم الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني (أب الإصلاحيين) الذي حكم لدورتين (8 سنوات) وكذلك الرئيس محمد خاتمي وحسن روحاني، رفعتْ أميركا من مستوى العقوبات إلى سقف لم يَخبره أي من الرؤساء الايرانيين التقليديين مثل محمود أحمدي نجاد أو إبراهيم رئيسي.
وقد فُرضت على إيران آلاف العقوبات في عهد الشيخ روحاني الذي تقرّب وزير خارجيته محمد جواد ظريف من الغرب لدرجة غير معتادة فقابله ترامب بتمزيق الاتفاق النووي وقول وزير خارجيته مايك بومبيو «إذا أراد الإيرانيون الطعام فعليهم ان يأتوا إلينا».
ومن الخطأ القول انه لا يوجد دور للرئيس وان الحكم فقط لخامنئي، فقد أثبت الشيخ رفسنجاني وأحمدي نجاد وروحاني أنهم اتبعوا طريقاً لا تتوافق كلياً مع أهداف الثورة كما يفهمها التقليديون، حتى أن أحمدي نجاد لم يتردد بمواجهة توصيات الولي الفقيه خصوصاً في شأن صهره وتعيينه كمستشار في مكتب الرئيس.
ففي إيران تتمتع كل من مؤسسات اتخاذ القرار بصلاحيات متعددة ومتكاملة. فالسيد علي يجمع بين السلطة السياسية والدينية وتحديد إستراتيجية الدولة العامة وهو القائد العام للقوات المسلحة ويشرف على عمل السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والمحاكم.
ويترأس السلطة القضائية الشيخ محسني ايجيي وهي سلطة مستقلة لفترة خمس سنوات ويعيّنه الولي الفقيه.
أما البرلمان أو مجلس الشورى المكوّن من 290 نائباً فيُنتخب لفترة 4 سنوات من الشعب ويشرّع القوانين ويراقب أداء الحكومة وجميع اتفاقياتها الخارجية ويستطيع عزل الرئيس غير الكفء، في حين أن مجلس خبراء القيادة الذي يترأسه موحدي كرماني محمد علي مكوّن من 88 عضواً يُنتخبون كل 8 سنوات وهو مسؤول عن تعيين وعزل الولي الفقيه.
ويتألف مجلس صيانة الدستور الذي يترأسه أحمد جنتي من 12 عضواً نصفهم يعيّنهم الولي الفقيه والنصف الآخَر البرلمان، ويُنتخب لمدة 6 سنوات ويراجع قوانين البرلمان لضمان توافقها مع الدستور والشريعة الإسلامية وهو يشرف على العملية الانتخابية.
ومجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يترأسه صادق آملي لاريجاني يضم 47 عضواً يختارهم الولي الفقيه لمدة خمس سنوات. وهو مسؤول عن حل الخلاف بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور وصلاحيات الولي الفقيه. أما المجلس الأعلى للأمن القومي وأمينه علي أكبر أحمديان فيشرف على السياسات الخارجية والدفاعية والأمنية.
وضمن هذه السلطات فإن المادة الأولى من الدستور تؤكد أن الحُكْم جمهوري وإسلامي.
والمادة 57 تنص على أن السيادة للشعب من خلال السلطة التنفيذية والتشريعية التي يختارها الشعب ويعطي السلطات الصلاحية.
وأكد الولي الفقيه أنه سيدعم أياً من المرشحين الذين ينتخبهم الشعب من خلال 60 ألف مركز انتخابي للاقتراع اليوم الجمعة.
وتٌطلَق الوعود من جانب المرشحين وخصوصاً حول الجانب الاقتصادي، ولا سيما ان الشعب أصبح أكثر يقظة من أي وقت وسيحاسب على تنفيذ ما يلتزم به كل مرشح لنفسه.
وتشتدّ المنافسة بين الإصلاحيين والتقليديين ما يدل على ان المشاركة من المتوقع أن تكون مرتفعة قليلاً عن نسبة الإقبال المنخفضة التي شهدتها إيران في الانتخابات الأخيرة.
فوجود إصلاحيّ ضمن المرشحين وعدم المناداة بمقاطعة الانتخابات ستلعب دوراً بسيطاً في رفع نسبة المشاركة لأن الشباب الصاعد مقتنع بأن السياسة الاقتصادية لن تأتي بالمعجزات من الرئيس المقبل أياً كان توجهه.
ولكن السياسة الأساسية بالانفتاح على دول الجوار وجنوب القارة ودعم «محور المقاومة» ومد اليد للغرب على أساس احترام السيادة هي ثوابت لن تتغيّر في كنف أي رئيسٍ سيواجه صعوبات أكبر إذا انتصر الرئيس المرشح المتطرف تجاه إيران، ترامب.
وإذا كان اليوم، موعد الانتخابات الإيرانية، فليست بعيدة أيضاً نتائج الانتخابات الأميركية في أواخر هذه السنة. وتالياً، فإن التحديات الايرانية المستقبلية لن تكون سهلة ولكن سياسة إيران ماضية في الطريق المرسوم لها.