اتجاهات

إلى أين يقود اليمين المتطرف أوروبا؟

تصغير
تكبير

حصدت الأحزاب اليمينية والشعبوية المتطرفة على حصة مقاعد كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي. وذلك كان متوقعاً بل كان متوقعاً أن تكون حصتهم أعلى من ذلك بكثير وفقاً لتقارير ومؤشرات أكبر المراكز الأوروبية، وتقارير المفوضية الأوروبية الأخيرة أيضاً.

انحياز الناخب الأوروبي المطرد للأحزاب المتطرفة أمسى ظاهرة طبيعية مدفوعة بتداعيات وظروف تمر بها القارة العجوز منذ الأزمة المالية العالمية 2008، والتي بدورها قد خلقت أزمات حادة متراكمة، من أبرزها، أزمة اقتصادية كبيرة، أزمة هاجس الهوية، أزمة ركود سياسي ونخبوي. والشاهد في الأمر، أن الأحزاب التقليدية الأوروبية العريقة التي تنحصر في اليمين واليسار بشتى أطيافها؛ قد فشلت فشلاً ذريعاً في التصدي لهذه الأزمات الحادة.

لا توجد خطوط فاصلة بارزة تذكر بين جميع الأحزاب اليمينية والشعبوية المتطرفة، إذ جميعها تقريباً تقف على أرضية مشتركة تتألف من الحفاظ على الهوية القومية ضد الغزو الأجنبي خاصة الإسلامي، رفض الهوية الأوروبية المشتركة والتوسع المفرط في الاتحاد الأوروبي خاصة لدول أوروبا الشرقية، رفض النيوليبرالية الاقتصادية المتوحشة، رفض الانغماس في الشؤون الخارجية والقضايا والأزمات الدولية بصورة كبيرة.

والحقيقة أن هذا الخطاب الانعزالي المتحفظ لليمين المتطرف أمسى يلامس المزاج العام الأوروبي بصورة مطردة، لاسيما وأن أخطر أزمتين يعاني منهما الأوروبيون وهما، تزايد عدد المهاجرين واللاجئين، وتدهور الوضع الاقتصادي يتفاقمان بصورة لافتة. ويعكس تصدر الأحزاب اليمينية في فرنسا وإيطاليا بأغلبية في هذه الانتخابات، صدى هاتين الأزمتين بجلاء.

والتقدم الكبير لليمين المتطرف في هذه الانتخابات، يشير بجلاء إلى سقوط أوروبا برمتها في قبضته خلال العقد المقبل. ومن ثم، سيقود أوروبا -بلا أدنى شك- إلى مسارات داخلية وخارجية تتعارض تماماً مع ما عرفناه عن أوروبا منذ بداية الوحدة الأوروبية.

والمسار الداخلي بدأ يتكشف بوضوح منذ فترة حتى في بعض الدول الأوروبية التي لا يحكمها اليمين المتطرف لكن تأثيره أصبح واضحاً على النخبة الحاكمة التي تسعى إلى إرضاء المد الشعبي المتطرف المتنامي. وأبرز ملامح هذا المسار، هو التراجع الكبير في المبادئ والحريات الديموقراطية والليبرالية، ففي إيطاليا والمجر وبولندا على سبيل المثال تشهد حرية الصحافة بعض من القيود غير المعتادة.

والخطاب المتطرف -دون محاسبة- الموجه ضد المهاجرين والأقليات خاصة العرب والمسلمين، وتراجع الاهتمام بقضايا مثل البيئة، وخروج التنافس والسجال الديموقراطي بين الأحزاب الكبيرة عن إطاره القانوني وتحوله إلى مرتع فوضوي غير قانوني للسباب والتشهير وتبادل الاتهامات.

وعلى المسار الخارجي، والذي يبدو أنه سيكون مثيراً للجدل ومحل تكهنات كثيرة، لكن يتبدى من خطاب اليمين المتطرف المتسق مع المزاج العام بعض من الملامح الرئيسية المؤكدة لهذا المسار. ولعل من أهمها، التراجع الحاد الأوروبي عن دعم ما يدعى أجندة حقوق الإنسان في العالم، ومساندة ودعم قضايا ليست ذات مصلحة قوية أو تهديد قوي لأوروبا. ويندرج في إطار ذلك على سبيل المثال الحرب الروسية الأوكرانية، حيث ينتقد اليمين المتطرف بشدة الدعم الأوروبي القوي لأوكرانيا، وربما يمكن من خطابه قادته استنتاج أن اليمين المتطرف لا يمانع منح أوكرانيا برمتها لروسيا، وهذا ما يلمح إليه ترامب أيضا الذي يعد الأب الروحي لليمين الشعبوي المتطرف في العالم.

وسقوط أوروبا في يد اليمين المتطرف، سيؤدي بالقطع على ضعف التوجه المنادي بالهوية والروح الأوروبية المشتركة لصالح الانزواء القومي الضيق، وهذا سيقود الاتحاد الأوروبي حتماً إلى التوقف عن التوسع، وربما التفكك على المدى البعيد. بل والأخطر من ذلك، قد يكمن في تنامي روح الصراع بين الدول الأوروبية.

وثمة تداعيات أخرى لكن ذات مستوى أكبر، لعل من أهمها إضعاف النظام النيوليبرالي العالمي بقيادة واشنطن حيث تعد أوروبا الشريك الرئيسي فيه، تذكية المد الديكتاتوري في العالم الذي بدأ في التوسع عبر ظواهر جلية، وتراجع الاهتمام العالمي بالقضايا الأكثر خطورة على الكوكب وعلى رأسها التغير المناخي والإرهاب والانتشار النووي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي