القيادة هي تحفيز مجموعة أفراد للقيام بعمل محدد من أجل تحقيق هدف مشترك، ويعرّف قائد المجموعة بأنه الشخص الذي لديه القدرة على توجيه الآخرين لتحقيق أهداف مشتركة.
مع انتشار دورات التحفيز والتنمية البشرية وطموح القيادة وتكرار كلمة أنت قائد أصبحت القيادة طموحاً يسعى له كل طامح وطامع، إلى أن صار الأغلب يرى نفسه قائداً وإن لم يكن قائداً فذلك خزيٌ عليه ومنقصةٌ في حقه ولِمَ لا يكون قائداً وهو ابن مجتمعه الذي اعتاد تكرار كلمة قائد وقدس القيادة حتى إذا ما خرج عن السرب أصبح غريباً متخلّفاً!
مع رواج مفهوم القيادة... إني لأتساءل؛ لماذا يود الشخص أن يكون قائداً؟ ومن يقود؟ ومتى يقود؟ وإلى متى يقود؟ وإن توافر الأكفأ ليقود المجموعة فهل يتنازل عن طيب نفس لنجاح المهمة والوصول للغاية؟
القيادة أحياناً تكون نعمة وموهبة يجعلها الله في أصل شخصية الفرد فيصقلها بالممارسة وقد تكون مكتسبة بحكم عوامل التربية والظروف الاجتماعية والبيئة المحيطة، ولكن مهما كان قائد المجموعة فذاً ومحنكاً ويمتلك من المهارات والمعطيات ما لم يمتلكه غيره من منافسيه أو غيرهم؛ فقد يبتلى بمن لا يعرفون الانقياد أو مفهوم الشورى والعمل الجماعي أو حتى أصول احترام الرأي الآخر، فهنا يكون الأولى به أن يتعرف على الفئة التي يود قيادتها، وتتعلم الفئة التسليم لقائدها، بدلاً من صراع الأنوات الناتج من طرح مفهوم القيادة واعتداد كل ذي رأيٍ برأيه، وقد يتعلم الشخص مهارت القيادة ولكنه في الأصل في مجالات أخرى فردية أفضل بكثير، وربما تكون باب عمله الشخصي وإبداعه الفردي ورسالته في الحياة، ومع بيئة القيادة الوهمية يشعر بأن عليه أن يكون قائداً فيقوم بإيماءات جسدية معينة كتكتيف ذراعيه وتشبيك يديه أثناء الحديث فتصبح المهارات التي تعلمها وبالاً عليه كالإبل التي أُلبست القلائد لتقاد إلى الذبح كما قال البوصيري في بردته:
إذ قلداني ما تخشى عواقبه
كأنني بهما هديٌ من النعم
كذلك أصبحت وبالاً عليه ولم يجد من ورائها سوى الغرور والبهرجة الكاذبة التي تميز بها عن غيره لتقوده تلك الميزة إلى هلاكه.
عزّز هذا الفكر في الكثير من الأشخاص حب القيادة والظهور وتضخيم الأنا وتعظيم الذات ما أدى إلى الظن خطأً أن الشخصية تكون أقوى بذلك، وطبعاً لا علاقة لهذا بذاك، إلا ربط من أراد أن يربطهما ليسوق بضاعته المزجاة.
وأعتقد أنها كلها ترويج وهم وتعزيز للأنا الهلامية لأصحاب الهشاشة النفسية، دون معرفة أن بالظهور قصم الظهور والراعي مسؤول وخير للشخص أحياناً أن يتعلّم إصلاح نفسه الأمّارة بالسوء ويقوّم اعوجاجها ويكسر أنفتها، ويتعلّم ما يفيده لدنياه وآخرته من أن يتعلم القيادة وهو لا يعرف حتى كيف يقود نفسه!
وإن وُجد من هو أفضل منه سلّم له راضياً أو مجاهداً نفسه بذلك، فتتعظم بداخله الذات الشيطانية التي لم تسجد لآدم، وذات الجهل التي لم تؤمن بسيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، رغم حكمتها وعلمها بصدقه وصدق نبوته، وذات الخوارج التي لم تعرف الانقياد لسيدنا علي بن أبي طالب.