الرأي اليوم

عن الإعلام ودوره

تصغير
تكبير

لن ندفن رأسنا كالنعامة في الأرض ونعتبر أنّ الوضع السياسي الحالي في الكويت شبيه ما سبق أو شبيه ما سيلحق. نحن في مرحلة مفصليّة انتقاليّة لها ما لها وعليها ما عليها وهي أشبه بعمليّة وِلادة جديدة مع ما يُصاحب هذه الولادة عادة من آلام ومُضاعفات وأفراح وتبريكات.

نحن هنا مسؤولون بشكل خاص عن الكتابة في رِحاب السلطة الرابعة التي تخصُّنا وتخصُّ من خلالنا الكثيرين. صحيح أن حلّ مجلس الأمة ووقف العمل ببعض مواد الدستور كانا عاملين مُرتبطين ببعضهما لأنّهما يتعلّقان بالسلطة التشريعية. وصحيح أن أحداً لم يقترب من موضوع الحريات والديموقراطية وطرق التعبير تحت سقف القانون. وصحيح أن مواد الدستور تسمح بالنقد والاعتراض على عمل السلطة التنفيذية أو كشف تجاوزات أو تقصير أيّ مسؤول. وصحيح أنّنا جُبِلْنا قبل الدستور وبعده على قواعد المُخاطبة المُباشرة بين الحاكم والمحكوم لنقل شكوى أو احتجاج أو الإضاءة على مُشكلة ما... كلّ ذلك وغيره صحيح لكن أركان السلطة الرابعة يحتاجون مع ذلك بعض التوضيحات.

قبل الحديث عن ذلك لا بدّ من إعادة التذكير بأنّ دور وسائل الإعلام في الكويت كان دائماً مصدر غنى محلي وإقليمي ودولي ساعد في تلميع صورة الكويت أكثر في المحافل العالمية وهيئاتها المُختصّة بحرية النشر والتعبير. أغنت وسائل الإعلام التجربة الكويتية وأمدّتها بأسلحة حضارية عصرية وأظهرت العلاقة الرائدة بين المناخ الحرّ وبين استقامة عمل مؤسسات الدولة.

وأيضاً لا بدّ من التذكير أن قانون النشر والمطبوعات كان هاجساً دائماً لأركان السلطة الرابعة، أي شركاء وزارة الإعلام وعدد من النواب السابقين الجادين، وهو قانون خضع لمعادلة التجديد والتعديل من أجل مُواكبة الحداثة والتطوّرات والمُستجدّ في الصناعة الإعلامية...وبقي خاضعاً لهذه المُعادلة إلى ما قبل أشهر عدة حين عقد وزير الإعلام مشكوراً أكثر من ورشة عمل مع المُختصّين للخروج بقانون مُتطوّر يُؤدّي دوره بشكل أفضل.

وأيضاً لا بدّ من التذكير (والاعتراف) بأن ما استجدّ على مهنة الإعلام من فتح الفضاء لمنصات مُستحدثة عبر شبكات التواصل الاجتماعي غيّر الكثير من القواعد السابقة وشابته إضافات وأيضاً ثغرات سببها تحوّل جزء من هذا الفضاء إلى ساحة صراعات سياسيّة وتصفية حسابات بين أقطاب وشخصيّات نيابيّة ووزاريّة وأخرى من داخل الأسرة. وتحوّل بعض هذه المِنصّات إلى ما يشبه «الميليشيات» التي استباحت أعراض وأساءت إلى ذِمم ولا داعي لفتح هذا الملف الذي يكفي الإجماع على إدانته من أولياء أمورنا في الحكم إلى أيّ فرد في أيّ أسرة عادية.

نعود إلى موضوع التوضيحات، تقوم وزارة الإعلام ولها كلّ الشكر بالتنبيه المُستمرّ بهدف تقويم المسار الإعلامي وضبطه مُجدّداً تحت سقف القانون، لكن نتمنّى في هذه المرحلة تحديداً أن يعقد وزير الإعلام اجتماعاً مع رؤساء تحرير ومسؤولي الصحف ووسائل الإعلام المرئية وغيرها، وليكن أشبه بورشة عمل مُصغّرة، للخروج بإجابات عن أسئلة من نوع: ما هي الحدود بين الإساءة والنقد؟ سقف الاعتراض على خطوات حكومية مُعيّنة تتعلّق أساساً بقضية الخدمات العامة؟ الفارق بين الإضاءة على خلل وبين التشهير؟ تبيان نوع المُخالفة والإحالة وفق أيّ قانون أو مادة؟ إعادة الحياة لقانون عصري للإعلام والنشر؟

الأسئلة كثيرة، وبالتأكيد سيكون هناك الكثير في الملفات التي سيناقشها المسؤولون الإعلاميون مع الوزير، وسيكون هناك دور كبير لمستشاري الوزارة القانونيّين، وذلك لتبيان الطرق التي ستسلكها وسائل الإعلام بموجب هذه التوضيحات.

سيقول قائل إن وسائل الإعلام العريقة تملك من الخبرة والمعرفة القانونية والاحترافية المهنيّة الشيء الكثير، وهذا صحيح، وسيقول آخرون إن هذه الوسائل واكبت المرحلة السياسيّة الراهنة بتوجيه رسالة إلى الحكومة أن الشعب يراقب عبر مساراته المُتاحة وأهمّها الإعلام، وهذا أيضاً صحيح، ونقول معهم أكثر إن صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد كانت كلمة «الشعب» الأكثر تَردُّداً في نطقه السامي تحفيزاً له على المُشاركة وحسن الاختيار وإسماع صوته... نعرف ذلك كُلّه ولا حاجة للإضافة عليه أو الاستشهاد مُجدّداً بمئات القضايا التي ساهمت الصحافة في كشفها وتقويمها فلا المكان مكانها ولا المساحات تسمح.

الإعلام باقٍ في الاستمرار بدوره. نرى إشارات، ونسمع البعض - ومنهم وزراء- يعطي مُحاضرات في كيفية تعاطي وسائل الإعلام مع قضايا مثل الفساد والتجاوزات. لا يمكن لأحد أن يلغي دور الإعلام الكويتي لأنه رِئَة الدولة وصوتها وصورتها... كل ما نريده أن يتشارك أهل البيت الإعلامي في تنظيم وتوضيح بعض الأمور كي يبقى للبيت جماله ورونقه وتبقى رائحة أزهاره عابِقة ومُمَيّزة وعابرة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي