مجرد رأي

فاجعة المنقف والعمارة التي لا تشبهنا... رؤية أو طموح

تصغير
تكبير

شكّل حريق عمارة المنقف فاجعة بكل المقاييس الإنسانية والقانونية والتنظيمية، لما خلّفه من أثر سلبي عميق في نفوس الجميع سواء لدى أهل الضحايا أو لدى عموم الكويتيين الذين آلمهم المصاب.

لكن كما يقال (رُبّ ضارةٍ نافعة)، فرغم ما خلّفته الفاجعة من ألم إلا أن من التجربة يفترض أن يتعلّم جميع المعنيين قراءة علامات الخطر وتقييم حدته، ووضع مرجع للتصدي المبكر للكوارث مستقبلاً بإجراءات استباقية تحقق الاستجابة الفعّالة.

فبعد ما عرته هذه الأزمة من حجم التخبط التنظيمي، والرقابي يتعيّن أن تكون تجربة عمارة المنقف التي لا تشبهنا في الرؤية والطموح بوابة مشرعة على مصراعيها لإعادة هيكلة القطاع العقاري والتخزيني بالكويت، على أن يدخل في صلب المناقشة سواءً من الحكومة أو المستثمرين كل فوضى قائمة ومتراكمة بأي قطاع.

ونجاح المعالجة المستدامة يتطلب آليات إجرائية وقانونية ورقابية وتنموية حاسمة تقطع الطريق مستقبلاً على أي مخالفات وسوء تنظيم للأسف كان ظاهراً للجميع دون وجود تحركات رقابية ملموسة لمعالجة هذا الخلل الهيكلي الحاد.

ولعل ما يستحق الإضاءة عليه أكثر الآن ليس مجرد عمارة المنقف كحالة فردية بل الصورة الأوسع للمشهد العام التي توحي بوجود فجوة تنظيمية ورقابية قائمة، وبحدود تعكس أن المخالفات باتت حالة شبه عامة تتجلى صورتها في البنايات التي تستخدم كمخازن للبشر والمخازن غير المرخصة المنتشرة في كل مكان، لتشكل جميعها قنابل موقوتة مستعدة للانفجار في أي لحظة.

حسناً فعل وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف، بتحمير العين على المخالفين والتوعد بملاحقة المسؤولين وتبني نفضة شاملة ضد المخالفين، بكل جدية وحسم حمايةً للأرواح وقبل ذلك القانون.

لكن استدامة السلامة تتطلّب استدامة الإجراءات وشموليتها، ما يعيد إلى الأذهان مجدداً أهمية استعادة ملفي المدن العمالية واللوجيستية إلى دائرة الضوء والتنفيذ على أن يكون ذلك بخطوات متسارعة تستقيم مع رؤية الكويت 2035. وما تتطلبه من معالجات حقيقية في كل القطاعات المتهالكة بمخالفات متراكمة لدرجة الاعتياد عليها حتى التعرّض لكارثة.

من المشاكل المتجذرة في الكويت قلة المساحات التخزينية النظامية التي لا تكافئ المطلوب في هذه السوق ما تضطر شريحة واسعة من المستثمرين وأصحاب الأعمال إلى المخالفة والاعتماد على مخازن غير مرخصة.

وللقضاء على هذه الظاهرة يتعين على الدولة توفير مساحات مناسبة من الأراضي التخزينية المستوفية لشروط التخزين ومن ثم تضييق الخناق على المخالفين والمخالفات.

فضلاً عن ذلك يتعين التخلص من مرض الأرخص سعراً كشرط للفوز بالمناقصات، فهذا المعيار يضر بجودة الأعمال بشكل كبير، ولتفادي مخاطر ذلك يجب وضع معايير جديدة في إرساء المناقصات أولها المواءمة بين السعر والجودة المطلوبة، وبالتالي تجاوز دفع بعض المستثمرين في تقليص التكلفة التشغيلية بتكديس العمالة وعدم استيفاء شروط الأمن والسلامة للحفاظ على هامش ربح مناسب. الإصلاح هنا يجب أن يكون ضمن منظومة متكاملة قانونياً ورقابياً وإجرائياً وتنموياً، على أن يضمن ذلك العدالة للجميع سواء للدولة أو المستثمر أو المستهلك، ومن دون ذلك ستكون التحركات المبذولة في هذا الاتجاه وقتية وردة فعل على الحوادث المؤلمة.

الخلاصة:

رغم أن كل كارثة تشكّل حدثاً استثنائياً وفريداً، يرسخ في الذاكرة الجماعية، ولا يمكن أن يعانيه إلّا من يعيشه، فإنها تشكّل في الوقت نفسه نتاجاً للتاريخ وآثاراً لعمليات أوسع نطاقاً يتعين أن تجرى على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لتفادي تكرارها مستقبلاً.

ولذلك يتعين أن يكون التحرك الحكومي في هذا الخصوص شاملاً ومعالجاً لكل ظواهر الفساد وممكناته، وهذا يتطلب توفير كل مقومات النجاح التي يمكن من خلالها تفادي الكوارث مستقبلاً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي