جِبْلَةُ بْنُ الأَيْهَمِ بْنُ جِبْلَةِ بْنُ الحَارِثِ، هو آخر ملوك العرب الغساسنة في بلاد الشام، كتب في يوم من الأيام رسالة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يُخبره فيها أنه ينوي أن يُسلم ويترك النصرانية، وأنه يريد القدوم إلى مكة من أجل أن يقوم بتأدية مناسك العمرة، فرحّب به عمر، وبارك له خطوته تلك.
وبعد أن أسلم جبلة، ذهب إلى مكة ليعتمر، وفي أثناء طوافه في البيت العتيق وطِأ رجل من قبيلة فزاره، كان يعتمر أيضاً على إزار جبلة فأسقطه أرضاً فظهرت عورة جبلة، فالتفت جبلة بغضب شديد نحو الرجل الفزاري فصفعه صفعة كسرت أنفه!
فذهب الفزاري، المصفوع إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، واشتكى له مما ناله من جبلة بن الأيهم، وطلب منه أن يأخذ له حقه من الملك جبله بن الأيهم.
وعندما حضر جبلة، عند عمر بن الخطاب، سأله عمر: هل صفعت الرجل؟ فقال جبلة: نعم. فقال له عمر: بما أنك صفعت الرجل وكسرت أنفه فإنه يتوجّب عليك أن تُرضيه أو أني سوف آخذ له حقه مِنك بالمِثل. فقال جبلة متعجباً: وكيف تساويني يا عمر بذلك الرجل، فأنا ملك ابن ملوك وهو رجل من عامة الناس؟! فقال له عمر: إن الإسلام ساوى بينكما، ولا يتفاضل المسلمون عند الله تعالى إلا بالتقوى.
فقال جبلة: إذاً سوف أرجع إلى دين النصرانية واترك الإسلام. فقال له عمر: إذاً سوف اضرب عُنقك! فقال جبلة لعمر: دعني انظر في أمري هذه الليلة.
وفي جنح الظلام هرب مسرعاً جبلة بن الأيهم، مع مجموعة من اتباعه، وبقي على الدين النصراني إلى أن مات.
تذكرتُ حكاية الملك جبلة بن الأيهم حينما شاهدت تلك الصفعة التي وجهها أحد المُغنيين إلى وجه أحد معجبيه في أحد الأعراس، وذلك بعد أن شد المُعجب بدلة ذلك المُغني من الخلف!
في هذا الموضوع أرى أن المُعجب المصفوع لم يتعامل مع المُغني بما يليق من التأدُب والكياسة، لكن أيضاً صفع الرجال على وجوهها هو أمر جليل جداً أكبر بكثير من شهرة ذلك المُغني ومن بدلته، خاصة وإن كان سبب الصفعة هو لأن المعجب شد جزءاً من بدلته!
وهذا هو وجه الشبه بين جبلة بن الأيهم وبين ذلك المُغني، حيث إنهما اشتركا بتسديد صفعة العنجهية المُهينة لشخصين لا يستحقان كل ذلك الغضب والكِبر منهما!
في نهاية المقال... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضعَ أحدٌ لله إلا رفعه الله».