نتنياهو يصطدم مع أميركا والجيش... ولا يعترف بالهزيمة

دبابات إسرائيلية في قطاع غزة
دبابات إسرائيلية في قطاع غزة
تصغير
تكبير

بدأ الخلاف يخرج إلى السطح بين الجيش الإسرائيلي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يحاول إلقاء اللوم على القيادة العسكرية على الفشل ليس فقط في السابع من أكتوبر، بل أيضاً لعجزه عن تحقيق الأهداف السياسية المرسومة له في قطاع غزة بتحرير الرهائن وإنهاء «حماس» وقدراتها العسكرية.

وفي الوقت عيْنه وبتوقيت موازٍ، يَظهر إلى الملأ الخلاف الحاد بين نتنياهو والإدارة الأميركية في شأن الدعم العسكري المطلق الذي يطالب به رئيس الوزراء والذي لا يفوّت فرصة إلا وينتقد الإدارة الحالية في وقتٍ يحتدم الصراع الانتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة بين الديموقراطيين والجمهوريين.

ترفض إدارة الرئيس جو بايدن الاتهامات الإسرائيلية في شأن حجب واشنطن لأسلحة تطلبها تل أبيب أثناء الحرب، وتَعتبرها كاذبة لغرض إرباك الإدارة في معركتها الانتخابية.

وكان نتنياهو انتقد في تصريح من مكتبه باللغة الإنكليزية – كرسالة مباشرة لواشنطن –عدم تسليم إسرائيل الذخائر التي تطلبها معتبراً «ان هذا أمر لا يمكن تصوره أثناء الحرب».

وكانت أميركا جمّدت تسليم إسرائيل 3200 قذيفة ذكية من عيارات مختلفة بينما سلّمتها أكثر من 100.000 قذيفة وصاروخ في الأشهر الماضية وفتحت لها المستودعات الإستراتيجية الموجودة في صحراء النقب.

كذلك أقامت أميركا جسراً جوياً تدفّق من خلاله نحو 380 شحنة أسلحة براً وبحراً إلى إسرائيل لتمكينها من خوض حرب (على غزة) أعلنت القيادة العسكرية الإسرائيلية أنها استخدمت فيها من الذخيرة أكثر بثلاث مرات مما تصورت أنها ستحتاج إليه.

ومن الطبيعي الاعتقاد أن نتنياهو يحاول إظهار بايدن وإدارته على أنهم يعملون ضد مصالح إسرائيل مسدّداً للرئيس الحالي ضربة انتخابية تحت الحزام، حيث تبنى الجمهوريون خطاب نتنياهو واتهموا الديموقراطيين بالتخلي عن إسرائيل.

إلا أن نتنياهو يجابه تصعيداً على جبهة أخرى سياسية وعسكرية داخل إسرائيل لا يمكن التغاضي عنها. إذ يشعر الجيش الإسرائيلي بأن القيادة السياسية تضحّي به، وهذا ما دفع الناطق الرسمي باسم الجيش الأدميرال دانيال هاغاري للقول إن «حماس هي فكرة، هي حزب وهي مغروسة في قلوب الناس. ومخطئ مَن يعتقد أن بإمكاننا إنهاء حماس. فهم الاخوان المسلمين وهم موجودون في المنطقة منذ فترة طويلة. وعلى المستوى السياسي أن يقرر إيجاد سلطة بديلة. ولكن فكرة أنه يمكن تدمير حماس وإخفائها هو ذر للرماد في عيون الإسرائيليين. إذا لم نجد بديلاً لحماس، ستبقى».

وردّ ديوان رئيس الوزراء باسم نتنياهو بأن «القضاء على قدرات حماس العسكرية والسلطوية هو أحد أهداف الحرب والجيش ملتزم بذلك». فأصدر الجيش توضيحاً في وقت لاحق أكد فيه أن «هاغاري في حديثه كان يتطرق إلى تدمير حماس كفكرة وايديولوجية وكل ادعاء آخَر هو إخراج لأقواله عن سياقها، وأن الجيش ملتزم بتحقيق أهداف الحكومة».

وكان رئيس الوزراء ورئيس الأركان السابق ايهود باراك صرحا أثناء الأشهر الأولى للحرب أن «حماس هي فكرة ايديولوجية ولا يمكن القضاء عليها».

وبدأ الانتقاد، داخل اجتماعاتٍ مغلقة لقيادات الجيش وأخرى أمنية، لغياب خطة سياسية واضحة وقابلة للتنفيذ تجاه غزة والحرب الدائرة فيها.

ونقلت «هآرتس» عن لسان القادة أنهم انتقدوا مطلب إسقاط حكم «حماس» وتدمير قدراتها العسكرية الذي صيغ تحت الضغط ومن دون التفكير ملياً بواقعيته.

كذلك حذّر وزراء داخل حكومة نتنياهو من عدم وجود خطة تسعى لإنهاء الحرب على غزة لان نتنياهو سيجبر الجيش على التحرك في شكل خطير ولمدة طويلة داخل القطاع.

ويحاول رئيس الوزراء إخضاع الجيش الذي لم يعد كما كان منذ عقود حين ترأسته من النخبة العسكرية الإشكنازية (اليهود الغربيين). فهناك داخل الجيش اليوم تيار قوي عقائدي من اليمين المتطرف ينسجم مع الأهداف التي ينادي بها أمثال وزير الأمن إيتمار بن غفير بالقضاء على الفلسطينيين وتهجيرهم من كامل فلسطين.

ولكن الرسالة وصلت لتكشف أن الهوة بين الجيش والقيادة السياسية قد اتسعت. فنتنياهو يريد إظهار الجيش على أنه مهزوم وفاشل ويتحمل مسؤولية الإخفاق دون غيره (دون نتنياهو). والجيش يرفض دفْع الفاتورة لوحده ولن يبقى صامتاً.

فتصريح الأدميرال هاغاري أتى مخاطباً الشارع الإسرائيلي وموجّهاً ضربة للقيادة السياسية بأن الجيش أنهى المهمة في غزة وان الخسائر البشرية للجيش من اليوم وصاعداً سببها انفصال القيادة السياسية عن الواقع وإصرارها على استمرار الحرب لحماية رئيس الوزراء وموقعه وليس دفاعاً عن إسرائيل ومصالحها وأمنها.

لم تَشهد إسرائيل هذا النوع من التجاذب بين الجيش والقيادة السياسية منذ تاريخ اغتصابها لفلسطين. ولم يُسمع سابقاً عن تمرد للجيش وخروجه عن الصمت.

ويبدو أن القيادة العسكرية تستغلّ التفكك داخل حكومة نتنياهو وأزمته السياسية الداخلية والتجاذب على خلفية التجنيد الإلزامي للمتدينين والانقسام داخل الليكود وخروج وزراء الحرب من الحكومة المصغرة والأزمة الأكبر مع الولايات المتحدة التي تَعتبر نتنياهو «غير متزن» ويسعى لحماية نفسه فقط.

لقد اصطدم نتنياهو مع ثلاث رؤساء ديموقراطيين (بيل كلينتون، باراك أوباما وجو بايدن) لاعتقاده أن عليهم تحمّل الإهانات وتقديم المزيد من الدعم له على قاعدة «أن الحبيب عرف مكانه فتدلل». ورغم الخلافات السياسية بين الطرفين، تبقى السياسة الإستراتيجية هي الحاكمة، وتفرض الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل مهما علت الصيحات والاتهامات العلنية ومهما أهان واختلف رئيس وزراء إسرائيل مع زعيم البيت الأبيض.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي